قضايا ودراسات

ابن أبي ربيعة استراتيجيّاً

عبداللطيف الزبيدي

لماذا تقترن الخطط الاستراتيجية العسكرية دائماً بالمكر والسخرية؟ المكر في العربية تدبير محايد، لا سلبي ولا إيجابي، وإن غلب عليه السالب. أمّا السخرية فلكون الحرب خدعة. من هنا اكتسب الثعلب هويّة المكّار، فالمستهدف يقع في فخّ الغباء، ما تنبثق منه المفارقة، والسخرية قائمة أصلا على المفارقة. الشطرنج، أكبر ألعاب الاستراتيجية، مفعم بالسخريات، لأن أخطاء الخصم هي رأس المال.
مدخل ضروري لإدراك أهميّة تشتيت الانتباه في التخطيط الاستراتيجي. هذه قضيّة حيويّة، لهذا نراه مطبّقا في جميع ميادين الحياة، فهو مخزّن في جينات الكائنات الحيّة: التمويه بالتلوّن مظهراً وسلوكاً. الجنرال الصينيّ صن تزو في«فن الحرب»تناوله جيّداً. كل الألعاب السحرية وسيلتها وغايتها الخداع. لكن الأطرف من الكل غزل شاعرنا عمر بن أبي ربيعة:«إذا جئتَ فامنح طرف عينيك غيرنا..لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظرُ».
القارىء يذكر «الزيطة والزنبليطة» التي أثاروها في مدريد، بينما كان ذلك ذرّاً للرماد في العيون، فالمفاوضات المكّارة كانت في أوسلو. أوسلو نفسها كانت تمهيداً للمفاوضات الفاضية الفاشلة. خدعة في باطن خدعة داخل خدعة ضمن خدعة، مثل دمى الماتريوشكا الروسية. بالمناسبة. حادثة السفن الأوكرانية الثلاث مع الدب الروسي، تبدو مسألة غير خالية من «الشقاوة». قديما قال لينين: «ابحث عن المستفيد». هل أوكرانيا أرادت الاستفزاز من تلقاء نفسها أو «أوصوها ونصحوها»؟ أم أن روسيا وجدت لحظة استراحة فأرادت الاستمتاع باستعراض العضلات؟ أهل المكر الاستراتيجي أدرى. لكن المفارقات المكّارة، تدعونا إلى العقل إن وجد له مكان، فإذا تعذر رد القضاء، فأماني تخفيف مآسيه بالدعوات الصالحات ممكنة. مبدئياً، جميع القوى الفاعلة عالمياً تستحث الحرب جهاراً، وقد تجاوزت المثل «الحرب أوّلها كلام». الأخطار على العالم العربي، هي أن القوى الكبرى متصادمة فيه ومتعارضة المصالح، وأطراف عدة تستعجل الحسم، خصوصا «إسرائيل»، بالتالي واشنطن، ومن ثم تنكشف الصورة الحقيقية للصراعات، ما يعني أن مشكلات القوى العظمى عالمية، فليس مهمّاً من أين تنطلق الشرارة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المعرّية:«كن حيث شئت بلجّة أو ربوةٍ…أو وهدةٍ سينالك التيارُ».

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى