انتماء للإمارات والإنسانية
صفية الشحي
إن الانتماء لا يتجزأ، فالوطن لا يتجزأ ولا حبنا له، وقد تكون آلاف الأنشطة التي عشناها في هذه الأيام هي أبسط تعبير يمكن أن يعكس فرحة أهل الإمارات والمقيمين على أرضها، لكننا نعلم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، وما يحضرني في هذه اللحظة بالذات، هو حلم زايد الخير، لحظة انتظاره تحت ظل نخلة، يده الممدودة للصلح والوحدة والعمل، حكمته البالغة وهو يقول نعم أرى في الصحراء جنة، وفي البحر دانة، وفي السماء عمراً جديداً، وأكاد أسمعه وهو يقول: نعم، سيفعل أبنائي المستحيل، سيسافرون إلى الشرق والغرب، سيتعلمون ما هو أكبر من فك الخط، وسيعودون ليكونوا وزراء ومعلمين وأطباء ومهندسين ورواد فضاء.
قبل سبعة وأربعين عاماً فقط كنا نجمع شتاتنا، ونعمل مع الجميع ونؤمن بالإنسان قبل المكان، فقد علمتنا كويت النخوة ومصر العروبة وعراق النبراس، وها نحن اليوم نعلم القاصي والداني، ونبني ويقول العالم: هذه الإمارات.
إن الجمل والخيمة والنخلة تحولت إلى قطار وهايبرلوب وأطول برج يحمل اسم خليفة التمكين والريادة، أما كلمة الحب الأولى في الإمارات فهي جواز سفرنا في المراتب الثلاثة الأولى عالمياً، والمرأة عندنا هي كل المجتمع، أما مدارسنا فهي حضن لأكثر من مئتي جنسية، وجامعاتنا حلم المبتعثين من الخارج، لكن ليس وحده ما ذكرت هو ما يخبركم قصتنا، لأن الإماراتيين نساء ورجالاً هم التسامح والعدالة والنهر يسقي البعيد والقريب، وهم الصبر الذي لم يكسره لا جوع ولا قحط، والإماراتيون نجدة الملهوف وسند الضعيف وكلمة الحق تصدح غير عابئة بالدم والمال، فكل ذلك هين عند أبنائنا الذين قدم العشرات منهم الأرواح فداء للحقيقة وإيماناً بالعمل والأمل، وكان الدرس من أكبر الدروس التي قدمها شهداء الواجب على أرض المعركة، ولايزالون.
لقد تعلمنا كيف نربح سباق الزمن الذي يخوضه العالم من حولنا، عالم الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة والتعلم العميق وإنترنت الأشياء وأدركنا أن الاجتهاد في ذلك هو أحد واجباتنا تجاه أجيال قادمة، نسعى لتحقيق أمنها واستدامتها، فنحن إذ نحتفل بمئوية زايد في ٢٠١٨، نستعد أيضا لمئوية الإمارات في ٢٠٧١، بكامل عدتنا وعتادنا من العقول المستنيرة بحكمة الأمس، السائرة في ركب الرؤية بقيادة من لا يخشون في الطموح لومة جاهل أو قليل عزم، فالمستقبل لا ينتظر أحداً وهو لا يقدم على طبق من ذهب، بل تصنعه فرق العمل المثابرة دائماً والباحثة عن الفرص في التحديات الكثيرة، وهي التي تكرمها القيادة كل عام، أوائل في تخصصاتها المختلفة ومشاريعها الاستثنائية وعلى رأسها تلك التي تصب في صالح حب الكلمة ونور العلم والمعرفة.
فنحن إذ نحتفل بذكرى اتحادنا المجيد نجدد ولاءنا وانتماءنا للعلم والمعرفة والبحث والفكر والكلمة الصادقة، كما نجدده للتسامح والتعددية والعطاء والإنسانية، فالرقم واحد ليس مجرد إنجاز بل هو التزام أمام الله والوطن والنفس والبشرية جمعاء، وكل عام ونحن بألف خير.
Safia.alshehi@gmail.com