الحاجة إلى رؤية قومية واحدة
د.عبدالعزيز المقالح
كل شيء في واقعنا العربي متوقّع ومباغت، ولا يدري قطر عربي هنا في المشرق أو هناك في المغرب ما المتغيرات صانعة به خلال عام أو عامين أو بضعة أعوام. فالأوضاع الراهنة، والمتهالكة تجعل من كل شيء ممكناً. ويلاحظ أن تونس تعاني ولم تتحقق لها المعافاة التامة منذ انتفاضه الياسمين، والجزائر تحاول بكل قوة تجنّب الانزلاق نحو الفوضى، والمغرب يحاول حل المشكلات الأساسية، التي هي اجتماعية بالدرجة الأولى من خلال الديمقراطية، هكذا هي الصورة العامة في أقطار المغرب العربي، بعد أن تم إقصاء ليبيا عنه بوصفها حالة لا تشبه المشرق ولا المغرب، بعد أن تحولت منذ سنوات إلى مزرعة للفوضى والعنف والتفتت الداخلي، ووجد المعادون لهذه الأمة في وضعها الراهن مجالاً للانتقام من الهوية والوحدة والتجانس اللغوي والديني والتاريخي.
وتبدو الصورة العامة للوطن العربي- مشرقاً ومغرباً- في حال من القلق والاضطراب وغياب الدولة باستثناءات قليلة نجحت في مقاومة مد الفوضى والحروب، وكان بعض المتابعين باهتمام للشأن العربي يرون – إلى وقت قريب- أن أقطار المغرب العربي ستظل في منأى عمّا تعانيه بعض الأقطار المشرقية، إلاَّ أن الذين نجحوا في صنع كل هذه الإشكالات صاروا قادرين على صنعها هناك، وهو ما يحدث الآن، ونؤكده بصورة مؤسفة الحالة في الجارتين الشقيقتين المغرب والجزائر، والتي يمكن للحوار أن يخفف من توترها.
وفي الاعتقاد الراسخ لدى عقلاء الوطن العربي أن أوضاعنا جميعاً هنا في المشرق وهناك في المغرب ستظل تسير من سيّئ إلى أسوأ ما لم يتم النظر إلى هذا الواقع المخيف من خلال رؤية قومية ووطنية واحدة ومن خلال اتحاد حقيقي يتجاوز الاحتفاظ بالحد الأدنى من التوافق الهش إلى توافق كامل وتام، تؤكده قناعة مشتركة تفتح الباب واسعاً لمستقبل التكامل والتضامن.
مع الإيمان بأن ما يعانيه الآن قطر في أقصى المغرب ستتكرر معاناته في قطر آخر في المشرق، وأن مشاكل الأمة واحدة لا تتجزأ وحلولها تتوقف على اقتناع الجميع واستشعارهم بالمسؤولية، وبدلاً عن الرقص على إيقاع طبول الحرب يكون الرقص على إيقاع موسيقى الوحدة والتقارب الحميم.
abdulazizalmaqaleh@hotmail.com