حوارية حدود الفكر والفن
عبداللطيف الزبيدي
قال القلم: أليس من حق المسلمين أن يحزنوا؛ لأن تاريخهم لم يكن متفوقاً في نمو الفكر والفن؟ قلت: هذا غير صحيح، لقد أرادوا حماية العقل من الطيش، فلا يسأل عما لم يعطوه جوابه جاهزاً. العقول مثل الخيول، تحتاج إلى ترويض لكي لا ترفس، ولجُم حتى لا تنفلت. أمّا الفنون فأمرها معلوم: ما أفسد كثيره، فقليله محظور. أصحاب السدّة لم يجدوا شيئاً أطيب من الكوابح.
قال: الانعكاسات السلبية تقع على الثقافة. لا يمكن إحداث ذرة تغيير إذا لم يتغيّر ما في الأدمغة. النكبة هي أن هذا التغيير مادة في الدستور القرآني. قلت: العالم الثالث لم يعرف التغيير إلا قصفاً ونسفاً. في كل مرة ينجلي الليل عن صعود إلى الهاوية.
قال: لهذا نصرّ على أن القضية ثقافية. اليدان والرجلان تتلقى أوامر غير مادية من تشابكات الخلايا العصبية، فيكون البناء أو الهدم. أغلبية البلدان لا تمتلك رخصة قيادة المركبات الحضارية. هي لا تدرك أن التقدم العلمي والتقاني ليس سوى تحولات ثقافية واعية.
عصر النهضة أفكار ثقافية رائدة. الثورة الصناعية ثمرة ثورة فكرية. الثورة الفرنسية نفسها كانت تعبيراً عنيفاً ودموياً عن أحلام تغييرية لم يتصور مداها فولتير، وروسو، ومونتسكيو.
قلت: إن صدق ظني فإنك خرجت عن الموضوع، أين كنا وأين صرنا؟ قال: معاذ الله، ضع في الحسبان أنه إذا كانت البلدان التي لديها ميراث بحار من الفلسفة والفكر، ومحيطات من الفنون، يغفل فيها ربابنة السفينة عن مقومات التوازن، فتترنح وتتردى، وهيهات السيطرة والتحكم، فكيف بالشعوب التي انعدم لديها الفكر والفلسفة، وهوى ذوقها العام حين انحدرت فنونها وتداعى بنيانها، وحظها من العلوم سراب؟
هي ذي الفاجعة التي تجلب العنف والتطرف: في هذه اللوحة القاتمة، حين تكون الطاقات غير محصنة بالثقافة والعلوم والمعارف، لا يبقى سوى اللجوء إلى التأويلات الاستئصالية للنصوص المجتثة قسراً من مواقعها، لتبرير النزعات الانفلاتية القصوى.
لزوم ما يلزم: النتيجة البنيوية: التنمية الشاملة فكرة إبداعية رائدة، فهي تحتاج إلى تغيير ثقافي.
abuzzabaed@gmail.com