القطن والقماش
يوسف أبو لوز
كثير من نجوم السينما في مصر جاؤوا إلى التمثيل، من خلفيات مهنية ليس لها أي علاقة بالفن: .. أحمد مظهر الذي لعب أدواراً «ناعمة» في أفلام عاطفية كان ضابط شرطة وقائد سلاح الفرسان، وفي بعض أفلامه لعب دور طبيب مهذّب مع أنه تخرّج في الكلية الحربية وتخبرنا سيرته في الموسوعة الحرّة أنه تخرّج مع الرئيسين جمال عبد الناصر، وأنور السادات، أما كمال الشناوي، «دونجوان» السينما المصرية في أحد مراحلها الذهبية، فقد يغيب عن الكثيرين أنه مولود في مدينة «ملكال» السودانية، وهو رسّام قبل أن يكون ممثلاً، أي أنه ينحدر من عائلة الفن وتخرّج في كلية التربية الفنية، وهو واحد من سادة سينما الأبيض والأسود وسادة السينما العاطفية أيضاً مع القليل من أدوار الشرّ التي لا تليق بشخصيته.
الممثل محمود مرسي كان مدرس فلسفة، ومن شاهده في أعمال سينمائية ودرامية تلفزيونية يلحظ شخصية مثقفة تعمل في الفن، وتتمثل هذه الثقافة بشكل خاص في أدائه وفي لغته وزيّه الكلاسيكي الرصين.
عدد من الفنانين جاؤوا إلى السينما، أيضاً، من كليات الشرطة مثل: صلاح ذو الفقار، وسمير غانم، وهذا الأخير رغم أنه التحق بكلية الشرطة إلاّ أنه واحد من نجوم الكوميديا في مصر مع جورج سيدهم، والضيف أحمد الذي توفي مبكراً لتخسر الكوميديا المصرية واحداً من ألمع الممثلين التلقائيين.. وفي زمن الأسود والأبيض أيضاً.
يحيى الفخراني كان طبيب أمراض نفسية، وفؤاد خليل «كوميدي من الدرجة الثانية أو الثالثة عادة».. كان طبيب أسنان، وأسامة عبّاس كان محامياً، وعزت أبو عوف طبيب، وفريد شوقي موظف حكومي.
الكثير من ممثلي السينما في مصر يحملون شهادات جامعية محترمة، وإذا وقف أمام الكاميرا كان يقف باحترام للفن وللناس، وأكثر من ذلك احترام نفسه وعائلته، ولذلك كان الممثل المصري رجلاً أو امرأة يختار ثيابه وأدواره وصداقاته بخلق وأناقة تحفظان له سمعته الفنية والشخصية والعائلية، الأمر الذي يضمن له كينونة محترمة في بلده وفي أقطار الوطن العربي الذي تصدّر له مصر الفن كما كانت تصدّر له القطن.
كانت السيدة أم كلثوم تغني على المسرح لأكثر من ساعتين أحياناً بفستان محتشم طويل بكبرياء، مغنية أشبه بأميرة حولها شعراء وملحّنون ومثقفون.. جاءت من الغناء إلى الغناء، ومرة ثانية، بفستان قطني مكتمل وَسَتور…
.. أحياناً، عندما يقلّ القطن.. يقل القماش، والباقي لفهمك اللمّاح!.
yabolouz@gmail.com