قضايا ودراسات

فشل أمريكي آخر

علي قباجه

لا يزال العالم حياً؛ حيث أظهر العرب أنهم قادرون على مواجهة المشاريع الأمريكية التهويدية، التي تنتصر للاحتلال على حساب الفلسطينيين وحقوقهم؛ فالدول العربية كان لها كلمتها الفصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث أفشلت مشروع قرار أمريكي؛ لإدانة فصائل فلسطينية.
وما يسترعي الانتباه هنا؛ أنه مهما كان الخلاف مع بعض القوى الفلسطينية، إلا أن المبدئية تسبق أي فرقة، وعندما يكون الخيار بين الاحتلال وواشنطن من جهة، وفلسطين من جهة أخرى؛ فإن الانحياز بالتأكيد يكون لمصلحة القضية الفلسطينية، متجاوزين الخلافات في الفروع؛ وهو ما سطرته الكويت، ومن خلفها الدول العربية؛ عندما رفضوا المشروع الأمريكي، كما كان للحرب الدبلوماسية، التي خاضتها السلطة الفلسطينية؛ لمنع إدانة غرمائها السياسيين أممياً، أثرها في إفشال مشروع القرار الأمريكي.
أمريكا لا تستهدف بمشاريعها جزءاً من الفلسطينيين؛ بل هي تهدف إلى إيجاد زخم دولي؛ يُمهد لوأد القضية، وإظهار أصحاب الحق والأرض، بمظهر القاتل والمعتدي والإرهابي..، وهذا مبدئياً، رفضه الفلسطينيون جملة وتفصيلاً؛ ب(يمينهم ويسارهم)، وأيضاً تنبه العرب ولم يتلكؤوا في إحباط هذا المشروع؛ لأنه في حال أُقِرَ، فإن نهم الإدارة الأمريكية المُنحازة لن يتوقف هنا؛ بل ستطرح مشاريع قرارات أخرى؛ تُدين الكل الفلسطيني، وستطول قراراتها السلطة؛ فالهدف الأمريكي، هو نعي القضية الفلسطينية، وإغلاق باب المطالبة بالحقوق.
ولن تتوانى الإدارة الأمريكية عن إيجاد صيغ أخرى، لاستخدام أي ورقة؛ للضغط على الفلسطينيين؛ للقبول بما يُخطط لهم؛ عبر «صفقة القرن» التدميرية، فهي كما دأبت ستحاول بقضها وقضيضها إضعاف الفلسطينيين، الرافضين لأطروحاتها، والمستبعدين حلولها.
ولكن، لا بد من التنبه إلى نسب التصويت في الجمعية العامة؛ فرغم فشل القرار الأمريكي، إلا أن ثمة ما يلفت النظر، وهو ازدياد الدول، التي صوتت لمصلحة القرار؛ حيث بلغت تلك الدول 87، وبمعارضة 57، وامتناع 33 عن التصويت، ففي السابق كانت الدول، التي تقف في وجه عدالة القضية معدودة جداً، ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والآن أضحت بالعشرات؛ وهو الأمر، الذي عدّته «إسرائيل» انتصاراً لها. وهنا لا بد للدبلوماسية الفلسطينية من التنبه إلى هذا الأمر، وإعادة بناء سياساتها؛ بحيث تُعيد الزخم إلى القضية، وتحقق اختراقاً دولياً، وتسعى إلى حشد الاصطفاف حولها مجدداً. وفي هذا الإطار، فلا بد من دراسة أوجه الخلل ومعرفتها، والتركيز عليها، ومعالجتها، كما أن التشاحن الداخلي له دور مهم في إضعاف القضية على المستوى العالمي.
لا بد من إعادة بناء البيت الداخلي جيداً، ووضع برامج وطنية، ورؤية وحدوية؛ يستطيع من خلالها الفلسطيني طرق الأبواب خارجياً، وطلب الدعم من مشارق الأرض ومغاربها، وهذا ضروري في ظل الكيد الأمريكي و«الإسرائيلي»، الذي ينتظر الفرصة؛ للانقضاض على شرعية فلسطين وأصالتها.
الأيام المقبلة حُبلى بالكثير من الأحداث والتحركات، التي تنتقص من القضية ومقدساتها، فهل أصحاب القرار على قدر المسؤولية؛ لإفشال كل ما يحيق بالفلسطينيين من شرور؟ أم أن الطاقات ستتبدد في تعميق الشرخ، والتوجه سيكون نحو المزيد من التشرذم والفرقة؟

aliqabajah@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى