الحرارة الكبرى
تأليف: جيفري كلير وجوشوا فرانك
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
إنّ العالم بالشكل الذي نعرفه يمرّ بتحول مفاجئ وعنيف، على عكس أي شيء شهده الكوكب منذ العصر الطباشيري (فترة انقراض الديناصورات). والأدلة موجودة من حولنا وهي: موجات الجفاف الشديدة على مدى العقود الماضية، والعواصف الفائقة والفيضانات التي تدمر المدن، وتناقص مستويات المياه الجوفية، وتلاشي الأنهار الجليدية، وإمدادات المياه السامة، وحرائق الغابات، والأمراض الجديدة الغامضة. يتغير كوكبنا بشكل أسرع مما يستطيع التطور مواكبته. يناقش هذا الكتاب التفاصيل التي أوصلت الكوكب إلى هذا الوضع الكارثي.
يأخذنا الصحفيان البيئيان جيفري سانت كلير وجوشوا فرانك في رحلة ميدانية واقعية في مناطق خطيرة؛ من مناجم في أبالاشيا إلى الملاذ الأخير للأشجار، من حقول التكسير القذرة إلى أخطر مكان في العالم، موقع هانفورد النووي في شمال غرب المحيط الهادئ. يرى المؤلفان أن القوى التي تقود هذا التحول الجذري ليست طبيعية. فقد أصبحت الأرض على حافة الهاوية من خلال نظام اقتصادي مفترس قائم على الجشع يلتهم أي شيء في طريقه ويرمي به إلى نهاية مريرة.
يرسم الكتاب خطوط المعركة من أجل مستقبل الكوكب، من الشركات الشريرة إلى السياسيين الفاسدين، والبيئيين الذين لا يخافون من الوقوف ضد النهب. الكتاب صادر في يناير 2019 عن دار «أي كي برس» في 260 صفحة من القطع المتوسط باللغة الإنجليزية.
تحولات كارثية
يقول الكاتبان: «عندما تكون درجة الحرارة الصغرى ليلاً (109 فهرنهايت؛ 43 مئوية في عُمان) فذلك يعني ارتفاعاً قياسياً في معظم الأماكن على وجه الأرض، عندئذ تعلمون أن كوكبكم في خطر. إن دلائل احترار المناخ ظاهرة للعيان في كل المناطق التي نشغلها حتى ليخيل إلينا أحياناً من أن الأرض في مرحلة الانهيار، فذوبان الجرف الجليدية، ارتفاع منسوب مياه البحار، فيضان الأنهار، حرائق الغابات اللاهبة، الأعاصير المدمرة، وموجات الجفاف الكارثية. حوادث تبدو لامثيل لها ورغم أننا لا ننفي وجود القليل والبسيط منها منذ فجر التاريخ، إلا أن الاحتباس الحراري الذي تتسبب به يد الإنسان جعل الأمور أسوأ بكثير مما هي عليه. يوجد أمل ضئيل للحد من المد المتصاعد للدمار الذي أحدثه الكربون على كوكبنا الأزرق الصغير. ولا يزال أمامنا الكثير من العمل للتصدي لهذا الخطر المتنامي».
ويضيفان: «لا يهم إذا لم تكن النتائج لصالحنا. كلنا رأينا الأرقام، فقد كان 2016 العام الأكثر حرارة على الإطلاق، و2017 الثالث في الترتيب. في الواقع منذ عام 2001 كانت من بين ال 18 عاماً هذه، سبعة عشر عاماً أكثر حرارة على الإطلاق ولم تظهر من ذي قبل. تتوقع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» أنه بحلول العام 2020 سترتفع درجة حرارة الكرة الأرضية لأكثر من 1 درجة مئوية على مدى ال 140 سنة الماضية. وبالطبع يرتبط هذا بشكل كبير بمستويات تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي، حيث إن هذه المستويات أعلى اليوم بكثير من أي وقت مضى خلال 800000 سنة الماضية، والمعدل في ارتفاع!»
«يعتقد العديد من علماء المناخ، بمن فيهم جيمس هانسن، أن نقطة التحول في ثاني أكسيد الكربون هي 350 جزءاً في المليون. وحتى إبريل 2018، قامت ناسا بقياس نسبة 407 أجزاء في المليون. غاز الميثان أيضاً لا يساعد في حل القضية. كما أن مستويات الميثان في الغلاف الجوي آخذة في الارتفاع بشكل كبير. وعلى الرغم من أن الميثان لا يبقى في مكانه بالقدر الذي يبقى ثاني أكسيد الكربون، إلا أنه أفضل بكثير في امتصاص الحرارة، وهو يعتبر أكثر فاعلية ب 84 مرة من نظيره الكربون».
دعوة إلى ثورة بيئية
«الأرض كما نعرفها، تتغير باستمرار. وليست فقط الدببة القطبية هي التي تعاني. إنما المرجان في جميع أنحاء العالم يختفي. دببة الغريزلي تصبح نادرة. سمك السلمون لا يعود في رحلة الإبحار لوضع البيض. البطاريق القطبية الجنوبية تموت. وأسماك القد بشمال المحيط الأطلسي، التي نجت من الصيد المفرط لعقود من الزمن، تعجز الآن عن التكيف مع نظامها الإيكولوجي المتغير. وتواجه الفهود الثلجية والنمور وسلاحف البحر الخضراء والفيلة الإفريقية وغيرها الكثير خطر الانقراض، لأنها تكافح لكي تتكيف من أجل البقاء في بيئاتها المعدلة».
«يمكن الشعور بالألم. إلا أن ما يثير مشاعر الاستياء والخوف تجاه تغيّر المناخ يجب أن يترجم إلى تحرك من أجل الكفاح للحفاظ على البقية المتبقية. تعتبر انتفاضة قبيلة ستاندينغ روك، وبكل المقاييس، أعظم انتفاضة ضد صناعة الوقود الأحفوري الأمريكية منذ عقود، وينبغي أن تكون بمثابة صرخة تعبئة لتوحيد كلمتنا. لا يهم إذا كانت شركة «بيغ أويل» ترسل زمرتها الحمقاء لتحطيم جماجمنا، أو تضعنا المباحث الفيدرالية خلف القضبان. فقد تم وضع السابقة كأساس للعمل، وعلى الرغم من العقبات، فإن النضال من أجل ستاندنغ روك، وكل ما يرمز إليها، سيستمر».
«لا تزال هناك حاجة لإنقاذ الأشجار، وحماية المحيطات، وكسر السدود، والحفاظ على الدببة من خطر الانقراض وتحدي السفلة الجشعين السابق ذكرهم. وفي الوقت الذي توجد فيه الأنهار الجليدية التي قد تذوب، لا تزال هناك جبال يجب تسلقها، وأنهار تطفو، وشواطئ لتجوبها وحدائق مجتمعية بحاجة إلى رعاية».
«ما حاولنا غرسه خلال هذا الكم من التقارير والمقالات والبيانات والتحقيقات، عبارة عن غذاء للروح والحكايات التحذيرية بما يعنيه لتكون بمثابة دعوة لحماية البيئة في المراحل المتأخرة من الرأسمالية. لا يتعلق الأمر بأن ترهق نفسك بكل هذا الهراء، بل لتتحفز لأجل مكافحة هذه الأخطار – لاتخاذ موقف مثل إخواننا وأخواتنا في ستاندنغ روك».
«قد يتغير العالم بشكل أسرع مما يستطيع البشر إدراكه بشكل صحيح، ما يعني أنه يجب علينا تغيير وجهة نظرنا وتكتيكاتنا للدفاع عنه. وخلاصة القول، حان الوقت لأن تصبح ثورياً».
كوكبنا نحو الهلاك
في ربيع عام 2017، تجاوزت قراءات مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الرقم 410 أجزاء في المليون وذلك حسب مرصد «مونا لوا» في هاواي، وهو رقم قياسي مثير للخوف ولم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. في يوم الأرض العالمي، انطلقت المسيرات المناخية في مختلف مدن العالم. لم ترفع سياسات ترامب مستويات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، لكنها دفعت عشرات الآلاف إلى الشوارع لبضع ساعات. أين كان هؤلاء الناس خلال 8 سنوات من إدارة باراك أوباما، رجل النفط والغاز بنوع من الامتياز؟ أين كانوا خلال 8 سنوات من إدارة بيل كلينتون، أحد أعظم رجال البيئة المراوغين في عصرنا؟ هل بدد دونالد ترامب أوهامنا في نهاية المطاف، كي نرى بوضوح القوى – الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية – التي تدفع كوكبنا نحو الهلاك من جراء الحرارة الناجمة عن الأنشطة البشرية؟ هل هو، في الحقيقة، نوع من العوامل الموضحة للحالة الحقيقية للأشياء؟
«نبه كافكا، الكاهن الأكبر في الواقعية، قراءه إلى أنه «هناك أمل. لكن ليس لنا». الأمل هو وهم، أفيون، أوكسيكونتين للجماهير. بدلاً من الأمل، نحتاج إلى جرعة كبيرة من الواقعية. واقعية بتأثيرها المروع كالواقع بحد ذاته».
قبل 2500 سنة، علّمنا بوذا بأن العالم يعاني، وهذه حقيقة. كما نصحنا بأن علاج المعاناة هو التعاطف، خاصة مع الكائنات الحية – والتي من ضمنها أشجار السكويا ومرجان البحر وصبار الساغوارو – التي لا تملك دفاعات ضد قوى العولمة التي ألحقت بها هذا الوباء. وهنا بيت القصيد، يجب على المدافعين عن الأرض «التخلي» عن الأمل قبل الدخول في المعترك. الأمل هو «عامل مشل» للحركة. الأمل هو «العدو». الترياق الشافي هو العمل. ومع ذلك، فإن العمل لا يسير في موكب بضع مرات في السنة لإبراز دمى، وقبعات وعلامات مطبوعة من قبل نادي سييرا البيئي.
«لا يكون العمل بالتقاط صور مع أحد المشاهير في المقعد الخلفي بسيارة الشرطة بعد اعتقالهم لشخص مبدع. ولا يتمثّل في كتابة اسمك على عريضة إلكترونية بنظام ال «موف أون»، أو التصويت لمرشح يشبه جيل شتاين في ولايات آمنة مثل أوريغون أو كاليفورنيا».
«العمل هو الوقوف جنباً إلى جنب أمام خراطيم المياه وقناصة الحكومة في السهول المجمدة في ولاية نورث داكوتا. العمل معلق من قصبة هشة بطول 150 قدماً لشجرة تنوب دوغلاس في أحد بساتين الغابات القديمة المقرر مسحها، من خلال صوت العواصف الشتوية. العمل هو أن تربط نفسك بجهازٍ للحفر والتكسير المائي في منطقة بنسلفانيا الريفية، أو أن تخيم في منطقة الانفجار بموقع إزالة قمة الجبل في تلال فرجينيا الغربية. العمل هو أن تتدخل عندما تشاهد عناصر الشرطة المدججين بعتاد جنودٍ مدرعين وهم يضربون امرأة عزلاء بوحشية في شوارع بورتلاند. العمل هو أن تركب المحيط الهادي بسكين في أسنانك لقطع شباك الصيد الكبيرة التي تحاصر الدلافين البيضاء الجنب، والحيتان الحدباء».
الأرض أولاً
«لقد انتهى وقت الاحتجاجات. إن الاحتجاجات ضد سياسات دونالد ترامب لن تجعله يشعر بتأنيب الضمير. فترامب ليس لديه ضمير كي يستيقظ، وهولا يخجل، ولا يندم على ما يقوم به، ترامب في واجهته يشكل تهديداً مطلقاً، هذا الكائن الخطير الذي يبدو في المرآة أقرب مما هو عليه. إنه التهديد القديم، القادم إلينا بأسرع من ذي قبل ومن جميع الاتجاهات في نفس الوقت. إنه وحش غير مقيد. لا يخضع لقواعد تنظيمية ولا يعترف بمواثيق اجتماعية أو يأبه بمناشدات للآداب العامة».
«مع بدء ترامب بتقويض أسس الحالة التنظيمية، بدأنا نرى كم كان الكثير من الانتصارات البيئية المزعومة ل«غانغ غرين» في الماضي – من الأنظمة المتعلقة بتعدين الفحم ونوعية الهواء إلى وسائل حماية الأنواع المهددة بالانقراض والمعالم الوطنية الجديدة – فارغة في محتواها. لقد مُحيت بشطبة قلم».
«لقد رأينا قوة حركتنا في الماضي وهي صغيرة، بائسة وجامحة. عندما كنا في وضع عصيب بكل معنى الكلمة، عندما تجلت خطوط المعركة بين الضباب المتجمد للخطاب الليبرالي، وتخلصت الحركة من التوجيهات الخجولة للمساومين المحترفين. لقد رأينا أنها انطلقت من غابة لاكاندون لتقول كفى! لقد طفح الكيل، وتخطت شوارع سياتل لإغلاق منظمة التجارة العالمية. لقد رأينا الجدات وربات البيوت يفضحن جرائم النفايات السامة وقيام مزارعي الذرة بإغلاق محطات الطاقة النووية. لقد أخذنا صناعة الأخشاب الدولية إلى موطنها الأصلي، وأغلقنا مناجم التعدين، وخطوط الأنابيب والسدود الموقفة للأنهار. لقد ألقينا مفاتيح «المونكي رنج» الكبيرة والصغيرة ومعدات النظام. لقد تم القيام به وسيتم ذلك مراراً وتكراراً. لا حاجة إلى طلبات الحصول على المنح أو تراخيص للاحتجاجات».
«كما اعتاد إدوارد آبي القول: لا معركة أكثر أهمية، ولا كفاح أكثر متعة، من العمل مع أولئك الذين يرابضون معنا في الخنادق عندما نثور معاً للدفاع عن الحياة على الأرض. في هذا السياق أقتبس قول المغني ليونارد كوهين: قد نكون بشعين في أجسادنا ومظهرنا، لكننا نملك الموسيقى وجميلون في أرواحنا وجوهرنا».
لذا ارسم مساراً لحياتك واتخذ موقفاً – أي مكان سيكون مناسباً، لأن كل شيء على البسيطة معرض للخطر- وأطلق صرخة معركة قديمة حتى يعرف الآخرون من أين يأتون لينضموا إلى نضالك والتصدي للخطر المحدق تحت شعار: الأرض أولاً!»