امتطاء الفرص
محمد القبيسي
جميعنا منذ كنا صغاراً تم تعليمنا في البيت والمدرسة والمجتمع بأن علينا التحكم في مجرى حياتنا، وأن الحياة محضفرص علينا ترويضها وامتطاؤها، ثم توجيهها إلى حيث الوجهة التي نريدها، فلا ينبغي أن نترك شيئاً يمضي بلاتخطيط، أو نتقبل تقلبات الأحوال وعدم معرفتنا بما هو قادم، دائماً يجب أن يكون لدينا تصوّر كامل لما نريد تحقيقه،وكيف سنحققه، وما رأي الناس فيه، وكيف ستكون النتيجة النهائية، ولكن الإبداع يقول غير ذلك!
إن الإبداع لا يطالبنا بأن نعرف كل شيء، ولا أن نملك تصورات واضحة 100% عما نود إنجازه ونهاية الطريق ونحن لانزال في بدايته، فلسنا في البداية أو النهاية سوى بشر يخفى علينا الكثير، ويبقى المستقبل مهما خططنا له بحكمالمجهول، أما الطريق فمليء بالمفاجآت التي يمكن أن نخفق أحياناً في استيعابها وإيجاد الحلول لها، أو لربما لا يكونأمامنا في وقت ما سوى الاستسلام لحكم القدر، لا انهزاماً، بل لأن الحل أحياناً يكمن في التوقف عن ضرب رأسك فيالحائط ظنّاً أنك ستكسره، فتكسر رأسك بدلاً منه.
تخيل معي الحياة كفرس وأنك إنسان مبدع استطاع امتطاء هذه الفرس، وقابلتك دروب عديدة توصل إلى النجاح، وكلدرب منها توجد قبالته لافتة كُتب عليها: «الطريق الأكيد والمضمون إلى النجاح»، ثم تشيح بنظرك لترى دروباً أخرى لمتخطُ عليها قدم إنسان من قبل، وتجربة الذهاب في أحد تلك الدروب المغايرة أمر لا يرجع قراره إليك وحدك، فإذا كنت مبدعاًفمن المرجح أنك ستقبل التحدي وتختار المسير في الدرب الذي لم يسلكه أحد قط.
وبخوضك لتجربة جديدة غير واضحة المعالم بشكل تام فأنت تفتح آفاقاً جديدة لرحلة عجائبية لا تخلو من الإثارة، فإذافشلت على طول الطريق فلن يضرك ذلك مادمت تؤمن بأن الفشل ما هو إلا محطة من محطات النجاح التي لا بد لناجميعاً من التوقف عندها يوماً، غير أن المبدع هو الذي ينهض من جديد ويتعلم من أخطائه ليتابع المشوار وقد اكتسبالمزيد من المعرفة والحكمة.
وفوق ذلك كله، عندما نسير في طريق جديد لا ندرك كنهه تماماً، فإننا قد نكتشف على جنبات هذا الطريق أو في آخرهكنزاً لم يجده أحد من قبل، لأن الكل آثروا واختاروا أن يسلكوا الطرق الآمنة.
نقلا عن صحيفة الخليج