سبع صنايع والبخت ضايع
محمد سعيد القبيسي
لقد زرت اغلب بلدان العالم سواءً للدراسة او التدريب او السياحة، وكل بلد قمت بزيارته كان يختلف عن الاخر في الثقافة والعادات والتقاليد واللغة التي قد تختلف ايضا من منطقة الى اخرى في نفس البلد.
ولقد أدهشني طريقة عمل شعوب بعض هذه البلدان خاصة الاوروبية منها وبعض المجتمعات الآسيوية كاليابانن وسنغافورة ، فتجد الناس هناك يبدؤن صباحهم بالتوجه الى اعمالهم عبر وسائل النقل المختلفة فمنهم من يستقل سيارته الخاصة ومنهم الأغلبية التي تستقل المواصلات العامة ، فتجدهم يستغلون أوقات فراغهم أحسن إستغلال سواء أثناء الإنتظار لوسيلة النقل أو فيأأييرحلة الذهاب إلى العمل ، اما بإستخدام الكمبيوتر المحمول او قراءة الجريدة او كتاب يحمله ، وخلال تلك الأوقات لاتسمع لهم همسا ولا ترى عيونهم تتبع تحركات الآخرين فالكل مشغول ومنكب لما ما بين يديه ، وذلك حتى وصولهم الى وجهتهم، فلكل منهم وجهته واختصاصه، فلا تجد عند هؤلاء القوم ازدواجية في التخصصات او الجمع مابين تخصصين الا فيما ندر ولكن بنفس المجال.
وتجد بأن لكل مضمار فارس في اي احداث قد تحدث لديهم سواءً رياضية، ثقافية، اجتماعية او سياسية، ولكل اختصاص اناس مختصين به ، فلا يتدخل احد في عمل الثاني ولا حتى بالمشورة الا اذا كان في نفس المجال وله من الخبرة الطويلة ما يؤهله ليكون في موقع الاستشارة، فالإدارة لها ناسها والمحاسبة لها ناسها فلا تجد شخص يعمل في غير اختصاصه او في غير مجال خبراته ومؤهلاته، وحتى اذا لم يجد ما يناسبه من وظائف فإنه لايقبل بأي وظيفة خارج إطار هذا التخصص ومبدء ( مشي حالك لغاية ما تلقى ) غير موجودة في قاموسهم.
ولكن يختلف الوضع في بعض دول عالمنا العربي، وسأبدؤها من سائق التاكسي ليسوا جميعا ولكن معظمهم، فحينن تصل الى اي بلد عربي وتخرج من المطار فسيكون هو أول من يقابلك ، هذا اذا لم تكن من اصحاب الدرجة الاولى وينتظرك الليموزين، وتبدء الحكاية فصاحب التاكسي هذا انسان فوق العادة فهو سائق تاكسي ومرشد سياحي ودليل عقاري وخبير اقتصادي ومحلل سياسي ومعلق رياضي ، بمعنى اخر هوعبارة عن ورقة الجوكرالذي يعمل في اي مكان ويصلح لاي عمل.
وفي الحقيقة … ليس هو من يتحلى بهذه الصفات فيوجد الكثير، حيث يظن كثيرون الا من رحم ربي بانهم يتمتعونن بقوة السوبرمان البدنية ورجاحة العقل التي تفوق العقول اليابانية والصينية في التفكير والتخطيط ، وقد يكون لديه الحل لاصعب المعضلات.
وفي الاحداث الرياضية ايضا تجد الكبير والصغير وقد تحولوا الى محللين رياضيين ومدربين محترفين، ولديهم القدرةة على وضع خطط لعب للفريق والتي تحقق له الوصول الى كأس العالم والفوز به، هذا ولايخلو الامر من حدوث بعض المشاجرات والمشاحنات التي قد تنشب بين الجمهور بسبب هذه الأحداث سواءً كانوا على المدرجات او في المقاهي اوالاحياء السكنية، وقد تصل الخلافات بين بلدين شقيقين اذا كانت المباراة بينهما إلى حد قطع العلاقات ، وربما تعجز الجامعة العربية عن حلها، ولايقتصر الامر على الرياضة فقط بل على جميع الاحداث السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المناسبات لترى الجميع وقد اصبحوا خبراء ويشاركون في عملية الحوار وابداء الرأي في كل مكان.
واذا حالفك الحظ واستقليت احدى وسائل النقل الجماعي في معظم بلدان وطننا العربي ترى العجب العجاب فالكلل ينظر الى الاخر من فوق الى تحت، وقد تجد احد الاشخاص يقرأ جريدة وبعدها يعلق على خبر او مقال قرأه بصوت عالي وتجد ردود الأفعال قد بدأت بين الركاب وتعليق بعد تعليق تجد نفسك في حلقة نقاشية على وسيلة نقل جماعية عامة تناقش احد اهم الامور السياسية او الاجتماعية اوالثقافية من اشخاص يمثلون مختلف شرائح المجتمع ، وقد يشارك في النقاش ايضا بعض النساء الذي قد يصادف وجودهن في ذلك الوقت.
ولو صادف مرورك بحشد أو تجمهر على حادث ما سترى عجباً ، الكل اصبح طبيبا وجراحا ومنقذا والكل يتكلم ويشيرر ويقترح ، لذا قد يستغرق وصول المسعفين ساعات ليشقوا طريقهم نحو المصابين واسعافهم.
سألني مرة احد الاشخاص ، اتعلم لماذا عند كل موقع عمل تشاهد اسوارا تحيط به ؟ فأجبت لا ، فقال لو كانت اماكنن المشاريع والاعمال مفتوحة لشاهدت الناس والمارة وقد اصبحوا مهندسين ومراقبين وخبراء بناء والكل يبديء النصح والمشورة لمن يعملون في المشروع او بمكان العمل…..
ورغم كل هذه المواهب والخبرات والقدرات على العمل والتعلم، والمقدرة على اكتساب اي مهارة في اي عمل كانن والاحتراف فيه، تجد نسبة البطالة قد وصلت في بض الدول الى حد المرض، ونسبة الخريجين تفوق نسبة الفرص المتاحة، فذهب الكثيرون للبحث عن اي عمل لتجد المهندس يعمل بائعا في محل تجاري، وتجد المحاسب يعمل في مطعم، والفني في مخبز، ومن وظيفة الى اخرى ومن مكان الى مكان اصبحت لدى الفرد خبرة كافية في جميع المجالات، وتاتي كل هذه التنازلات لهذه الفئة المتعلمة للاعتماد على النفس وسد المتطلبات والاحتياجات اليومية، ، فبينما يعمل هؤلاء في اقل الوظائف يوجد بالمقابل اضعاف عددهم ممن لا وظيفة له.
وفي النهاية الشباب له قدرات يجب استغلالها في اماكنها الصحيحة ويجب ان نعرف اين ومتى يمكن ان نستغلها، وأنن الفراغ والبطالة وتردي الحالة الاجتماعية من الأسباب التي أدت إلى قيام الثورات في العالم العربي ، لان تلك الطاقات الكامنة لم تجد من يسخرها في مكانها الصحيح ، فلم تجد غير العالم الافتراضي لتفجر فيه طاقاتها، ولم تكن ايضا هي الحل فبعد هذه الثورات ازدادت اعداد العاطلين عن العمل ويعاني معظمهم من ضيق العيش وفراغ قاتل ، لذلك تجدهم ينقادون وراء اي حملة او مظاهرة بها من الامل للخروج من هذا الوضع البائس الذي يعيشونه، وقد يتم استغلال احتياجاتهم من قبل جهات لها مصالح للقيام بأي امور قد تكون مخالفة للقانون ، لذلك على الحكومات والمجالس المؤقتة وايضا الحكومات القادمة ان تجعل جل إهتمامها وتركيزها على فئة الشباب والاهتمام بهم، وعمل اللازم نحو خلق وايجاد فرص عمل او تقديم العون لهم لعمل مشروعات صغيرة تساعدهم على مواصلة حياتهم، وان لا ندعهم ممن يطلق عليهم المثل القائل (سبع صنايع والبخت ضايع)….