التحليل النفسي… العلاج الذي لم يعد يخضع لهيمنة تعاليم فرويد
جمال الأسود
المواهب الفطرية الخلاقة تحتاج الى فكر منظم، هكذا ساهمت الخبرات الإنسانية المتراكمة في ظهور التحليل النفسي الذي كان سيغموند فوريد من رواده، والذي بدأ باستخدام نظريات ومناهج في الطب النفسي الذي يهتم بعلاج السلوك وتقويمه، إذ تكمن نقطة التعقيد فيه في فك شيفرة الصراع بين الوعي واللاوعي باستخدام أساليب التنويم المغناطيسي، والأساليب الإحصائية في تكرار السلوك وإحصاء تغيراته، ومراقبة الانفعالات واستخدام أساليب التنفيس لمعالجة تداعيات الكبت، ثم مات فرويد وهو ينكر الأحلام التنبؤية، ويصر على سطوة الدافع الجنسي في السلوك البشري، وأن الأمراض النفسية والعصابية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأحداث ماضية تعرض لها الفرد بالفعل، وسكنت مع تداعياتها في العقل الباطن أي اللا وعي، واللاوعي لدى الإنسان هو اكتشاف علمي فرويدي بامتياز، يرقى أو يتعدى مراتب الإكتشافات العلمية الأخرى كالذرة و الفضاء، لأنه أعطى نظرة جديدة إلى الإنسان، إن التعقيد الذي يلف النفس البشرية وارتباطها أيضا بكيمياء الجسم الآدمي قد جعل التحليل النفسي في مفترق طرق متعددة، إذ كان الكثير من المنظرين يشاركون فرويد أفكاره، ثم نشأت خلافات عميقة بين حركة التحليل النفسي الفرويدي والمدارس المتفرعة عنه على المستوى النظري على وجه الخصوص، فالتفكير العلمي ليس هو تفكير العلماء بالضرورة كما يقول الدكتور فؤاد زكريا، فهناك جحافل من الباحثين لا تكاد تخرج من سجن النظريات والمناهج وتقديسها في ميدان التحليل النفسي بالذات، ما يجعل الشعوذة والإحتيال يدخلان على الخط، هذا ما جعل فرويد يصر على كثافة التدريب والتكوين لممارسة مهنة التحليل النفسي، ولم يعد المعاصرون من منظري وعلماء التحليل والطب النفسي ينظرون إلى التحليل النفسي في رداءه القديم، فكما جاءت الخبرات الانسانية بالتحليل النفسي، برزت مع مرور الوقت خبرات جديدة عدلت من مناهجه وأساليبه من خلال العلاج، حيث أن الطبيب النفسي المعالج أكثر نشاطا في التعامل مع الواقع، ويلجأ إلى البساطة غالبا في التعامل مع المريض، يتجنب التعقيد واجترار النظريات والمناهج التي كان يتسلح بها قدماء المحللين النفسيين، فالتيارات الحديثة لمدارس التحليل النفسي تشدد على أهمية الحاضر في العمل التحليلي، لا الاصرار على ماضي الفرد وانفعالات الطفولة، فقد ساعد تطور الطب في ربط العلل النفسية بالعضوية، وإمكانية التأثير على الهرمونات، وخلق بيئة للعلاج النفسي تعتمد عمليات تحليل بالتأثير على الحواس بمنبهات الضوء والحرارة والرائحة والصوت، واستعمال الملاحظة عن بعد باستخدام التكنولوجيات الحديثة، ويعترف أطباء النفس المعاصرون بدور علم النفس الإجتماعي الذي تنبه من خلاله علماء التحليل النفسي إلى أصناف المرضى، حيث أصبح العلاج النفسي أكثر قابلية لدى المرضى وفي أوساط المجتمع، وصار الطبيب النفسي يستفبل فئآت واسعة من المرضى والأصحاء أيضا، ولم يعد الأمر يقتصر على المثقفين والمرفهين مثلما كان الحال منذ عهود خلت، ثم أن علم النفس عامة وعلم النفس التحليلي خاصة معرض إلى التطوير والتعديل، من خلال خبرات انسانية جديدة مع تطور الحياة الانسانية، ستشمل بالتأكيد كل فروع الحياة البشرية، ويدلل خبراء علم النفس الإجتماعي على ذلك خاصة من خلال عدة مواقف تدعو إلى البحث قي خلفياتها، من بينها رفض فرويد للأحلام التنبؤية، وإصراره على هيمنة الدافع الجنسي على السلوك البشري، إذ يرجعون ذلك إلى الكبرياء العمياء للعلم، والتي فعلت مع علم النفس الفرويدي فعل الكنيسة مع غاليليو.