داعش وإيبولا..وجهان لعملة واحدة
محمد سعيد القبيسي
في خضم الثورات وانشغال العالم بالأزمات الواحدة تلو الأخرى واشتعال الشرق الاوسط، ومعسكرات اللاجئين والنازحين في البلدان المنكوبة بالثورات يظهر لنا ومن دون سابق إنذار وباءان فتاكان، الأول على شكل بشري يتمثل في جماعة إرهابية تحت مسمى داعش، لا نعرف لأي ملة أو طائفة تنتمي لها، فهي تقتل الجميع دون تفرقة بين صغير أو كبير، امرأة كانت أم عجوزا، وتسبي من يعتنق بغير الإسلام من النساء وتقتل رجالهم.
أما الوباء الثاني فهو على شكل فيروس مرضي لا يختلف عن داعش في شيء غير وسيلة القتل، فهو مرض يفتك بالبشر ولم يجد له علاج حتى الآن.
فالأول انتشر في العراق وسوريا تحت مسمى داعش، والثاني في القارة السمراء، وهما فعلا وجهان لعملة واحدة، بل من وجهة نظري صنيعة مختبرات استخباراتية بحتة هدفها ترويع البشر بالقتل وسفك الدماء.
وبغض النظر عن أية أهداف أخرى فالهدف الرئيسي لهما هو استنزاف الثورات عبر تخويف العرب بداعش، وتخويف إفريقيا بإيبولا، وبذلك ضمان لاستمرارية العمل في مصانع الأسلحة عبر الهجوم على داعش، وتسليم فواتير هذه الحرب للعرب، خصوصا دول الخليج التي لم تفق إلى الآن من حرب الخليج، وضرورة تسليحهم للحماية من داعش، وأيضا استمرارية مصانع الأدوية عبر المصل الذي سيرى النور قريبا في معالجة إيبولا، وسيتهافت عليه العالم أجمع لشراء هذا المصل، وضمان عدم توجه أي استثمارات خارجية في الوقت الحالي للقارة الإفريقية إلا من أصحاب الشورتات والقبعات البنية الذين يجولون ويصولون في استنزاف ثروات هذه البلاد الغنية بالموارد الطبيعية والمعادن في سبيل إيجاد العلاج لهم.
ولكن كما يقول الشاعر “تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن”، ولعلي أستشهد بقصة لأحد أفلام الأكشن الهوليودية وهي عن عالم قام باختراع رجل آلي متطور لأبعد الحدود، والهدف منه هو خدمة البشر وضمان أعلى عائد مالي من هذا الاستثمار، وبالفعل انتشرت الأجهزة الآلية في كل مكان بالمدينة، وكانت تحت السيطرة، وقد طور هذا العالم مجموعة جديدة من الرجال الآليين التي قامت بتطوير نفسها بنفسها، وأيضا برمجة الآلات الأخرى لتكون مثلها وتتمرد على صانعها، بل قامت بقتله وتسعى لتدمير البشرية والاستقلال بنفسها، مما دعا البشر أن ينقلبوا ضد الآليين وتدميرهم واحداً تلو الأخر
ونفس السيناريو نراه الآن مع داعش وإيبولا، حيث إن داعش تمردت على صانعها الذي فقد السيطرة عليها وعلى من يقودها من الأشخاص الذين انضموا إلى هذا التنظيم الإرهابي، وذلك بعد أن أصبحت قادرة على تغطية نفقات حربها عبر استيلائها على ممتلكات وأسلحة متطورة وغنائم كثيرة، وكذلك مرافق بترول ومستودعات مختلفة من الغذاء والمال، وأصبحت متطلباتهم هي من تقود هذه الجماعة، إضافة إلى البقعة أو الأرض التي يعيش عليها في ظل غياب سيطرة الدولة والأنظمة والقوانين، مما شكل تربة خصبة لتزايد أعداد داعش، بل واتساع شبكتها لتصل إلى معظم بقاع العالم، وبانتظار ساعة الصفر كما نسمع من تهديداتهم دائما، أي أن الأمر خرج عن السيطرة، وهو ما دعا إلى تحالف دولي للقضاء على هذه الآفة نهائيا.
ولكن ما يدعوني إلى التساؤل عن موضوع الفترة التي سيتم القضاء بها على داعش، وهي بناء على آخر المتحدثين والمتنبئين بأنها ستستغرق أكثر من 30 عاما أي بمعدل عام لكل 1000 داعشي، حيث إن عددهم وصل إلى 30 ألفا، حسب آخر الإحصائيات، وماذا لو ازداد عددهم هل ستطول الحرب عليهم؟
يقولون إن انتهاء داعش هو بانتهاء حكم الأسد، قد يكون هذا بالنسبة إلى سوريا, وماذا بخصوص العراق؟
لن أقول لأي جهة تنتمي داعش، أو من أي رحم خرجت أو أو أو… ولكن ما أريد أن أذكره أن داعش الآن خارج السيطرة، وهي مثل كرة الثلج التي تتدحرج، وكلما تدحرجت كبرت وازدادت سرعتها وأصبح من الصعب اعتراضها.
إننا اليوم أمام كارثة إنسانية تجتاح قلب الوطن العربي وعواصم الحضارة الإسلامية في دمشق وبغداد، ولابد لنا كعرب من وقفة جماعية واضحة المعالم تتوحد فيها القلوب قبل الآراء وتندحر عندها الايدولوجيات المختلفة لنكون على قلب رجل واحد تتوحد فيها الدول العربية والإسلامية، ثم تتعاون مع العالم بأسره لنصرة الإنسان وتخفيف المعاناة عن الشعوب المحاصرة، والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية التي تسترت بثوب الإسلام وسرعة العمل على ذلك، فاليوم سوريا والعراق وغدا تطرق أبواب بلدان أخرى.
أما آن الأوان أن نذاكر بعمق الفوضى الخلاقة التي شملت بلادنا من الخليج إلى المحيط، فمن زعم بقدوم الربيع العربي صار دمارا عربيا لكل القيم الإنسانية، بل حربا إبادية لشعوب ومناطق كانت بالأمس على أبواب التنمية والازدهار
لم يكن عبثا تدمير هذه الأمة تارة بحجة الدين والمذهب، وأخرى بدافع عنصري بغيض، فلننظر من صاحب المصلحة لما يدور في هذه المنطقة من دمار وخراب وقتل أهي الشركات العالمية لإنتاج السلاح وإعادة البناء؟
ها هي غزة تحتاج كما جاء في مؤتمر الدول المانحة لإعادة إعمارها إلى أكثر من 5 مليارات دولار وهي مدينة واحدة فكيف بنا غدا؟
وقد دمرت داعش وغيرها من الفرق والجماعات الضالة دولا ومناطق شاسعة بأسرها، وبالتالي لا نستطيع أن نحصي بدقة الأسر المشردة والبيوت المهدمة وأعداد القتلى، لاسيما البنية التحتية للمدن والعواصم
لقد حصدت هذه الحروب أرباحا كبيرة مستقبلية للجهات والدول التي صنعت داعش وإيبولا، ولكن أخيرا يبقى السؤال الأهم من سيدفع الفاتورة؟
بقلم محمد القبيسي المشرف العام لمقالات اون لاين
نشرت على العربية نت
الخميس 22 ذو الحجة 1435هـ – 16 أكتوبر 2014م
http://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/2014/10/16/%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A8%D9%88%D9%84%D8%A7-%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D9%86-%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9.html