رئيس جمهورية لبنانية أم “جمهورية لصاحبها حزب الله”؟
رفيق خوري
حديث الانتخابات الرئاسية في لبنان يطغى على كل الأحاديث والأزمات التي تضرب الناس، وإن بدا أسير الأحداث المتطورة في المنطقة. والخوف ليس من مثل أينشتاين عن الجنون في تكرار التجربة على المواد نفسها وتوقع نتيجة مختلفة. الخوف من معادلة ماركس في الرد على قول هيغل: “إن جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر مرتين”، وهي “هيغل نسي أن يضيف: المرة الأولى كمأساة والثانية كمسخرة”. والترجمة العملية لذلك هي الخوف من أن يكرر “حزب الله” لعبة الفراغ التي فرضت مجيء حليفه العماد ميشال عون إلى القصر الجمهوري، عبر المجيء بحليف آخر له أقل وزناً. وهي أن يصح فينا المثل الساخر العراقي أيام نظام صدام حسين عن لافتة “مكتب الحزب الشيوعي لصاحبه حزب البعث العربي الإشتراكي”: “رئيس جمهورية لصاحبها حزب الله”، والخوف أيضاً من الفراغ الذي يستطيع كل من “محور الممانعة” وخصومه فرضه عبر القدرة على تعطيل النصاب في جلسات الانتخاب، وهو ثلثا الأعضاء في البرلمان. وهذا ما تعلّمه وكلاء إيران في العراق أيضاً حيث أفشلوا انتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس للحكومة.
وبحسب التجارب، فإن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ليس فقط مسألة داخلية يقررها نواب البرلمان بل هي أيضاً مسألة إقليمية ودولية. الرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري جاء به تفاهم محلي ضد فرنسا وزكاه تفاهم بريطاني-مصري أيام النحاس باشا. الرئيس كميل شمعون جاءت به “ثورة بيضاء” دعمها البريطانيون وانتهى عهده بأحداث “حمراء”. الرئيس فؤاد شهاب جاء به تفاهم الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس دوايت أيزنهاور عبر موفده روبرت مورفي. الرئيس شارل حلو اختاره الرئيس شهاب وتلقى دعماً من فرنسا والفاتيكان. الرئيس سليمان فرنجية فاز بصوت واحد بعدما وزع كمال جنبلاط أصوات كتلته بين فرنجية ومنافسه الشهابي الياس سركيس بناءً على ضغط سوفياتي للانتقام من الشهابيين الذين فضحوا موسكو في حادثة الميراج. الرئيس سركيس جاء به تفاهم أميركي-سوري.
الرئيس بشير الجميل الذي اغتيل ثم الرئيس أمين الجميل جيء بهما أيام الاجتياح الإسرائيلي للبنان بالتفاهم مع أميركا ودول عربية. الرئيس رينيه معوض أول رئيس بعد اتفاق الطائف جاء به تفاهم أميركي-سعودي، لكنه اغتيل. الرؤساء الياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان كانت سوريا هي القوة الأساسية التي جاءت بهم. والرئيس ميشال عون جاء به “حزب الله” ولكن بعد “تفاهم معراب” بين “التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية” والصفقة مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
اليوم، لا أكثرية ثابتة في المجلس النيابي. ولا قوة خارجية واحدة قادرة على الإتيان برئيس. “محور الممانعة” لا يمكنه أن يأتي برئيس وحده. وخصومه لا يستطيعون التفاهم على مرشح ثم انتخابه. وانتخاب رئيس يحتاج، إلى تسوية داخلية ضمن صفقة إقليمية-دولية حيث أدوار أميركا وفرنسا وإيران والسعودية ومصر وحتى سوريا. والتسوية الداخلية تبدو، حتى إشعار آخر، صعبة أو مرفوضة. والصفقة الإقليمية والدولية ليست جاهزة. لا هي مجرد الاتفاق النووي الإيراني، ولا هي، كما يشاع في أوساط عدة إلى جانب “حزب الله”، تسليم أميركي أوروبي لملالي إيران بالهيمنة على المنطقة، لا فقط على أربع عواصم عربية، مع رفع العقوبات والتعايش مع “دولة عتبة نووية”، أي صفقة يربح فيها طرف واحد كل شيء.
لكن التحدي أمام لبنان أكبر من الرئاسة، وأبعد حتى من وقف الإنهيار وبدء التعافي المالي والاقتصادي وعودة الروح إلى الحياة السياسية. التحدي الكبير هو ما سماه البابا فرنسيس “الولادة الجديدة” بمساعدة المجتمع الدولي. وهو، كما قال السفير البابوي جوزف سبيتري الذي ودع اللبنانيين بعد انتهاء مهامه الطويلة في لبنان، وحثهم على ابتكار “صيغة جديدة” تنقذ “النظام التعددي المميز”. وهو أيضاً الحؤول دون صيغة سيئة، لها قوى تعمل لقيام “لبنان آخر” مضاد لتاريخ لبنان وهويته الحضارية وانتمائه العربي وانفتاحه الدولي. وما يزيد التحدي صعوبةً هو الخلل في موازين القوى.
* نقلا عن “اندبندنت عربية“