بوابة عشتار والكفيل: دُكان المال!
رشيد الخيون
اشتهرت في الآونة الأخير قضية شركة «بوابة عشتار للنُّظم وخدمات الدَّفع المالي»، التي يمتلكها شاب مِن مواليد(1980)، أصبح أحد كبار الأثرياء، وهذا ليس عجيباً بعراق اليوم، فإذا فهمنا مقولة «مجهول المالك» يبطل العجب. ليس هذا موضوعنا إنما كيف استدل صاحب الشَّركة على الاسم ليحول «بوابة عشتار» ذات الألفي وخمسمئة عام، مِن عهد نبوخذنصر ببابل، عنواناً لشركته المالية؟! وفوق ذلك يربح مِن القضاء العراقي ستمئة مليون دولار تعويضاً مِن بنك الرّافدين؟!
مثلما كيف تجرأ أصحاب شركة لحوم وأنواع البزنس على اسم «الكفيل»؟! وكيف تذاكى المستولي على جامعة البكر العسكرية ليسميها جامعة «الإمام الصَّادق»، وغُطيت الصَّفقة بإعلان أنَّه اشتراها مِن الدَّولة، وبالحقيقة كانت دولة التَّكتل الدَّعويّ «دولة القانون»! لا دولة العِراق، فالأخيرة تعيش موسم التَّصفية وبالقانون والدُّستور. كيف يطمئن لضميره مَن سمى ميليشيا باسم «بدر»، البئر التي بدأ حولها الإسلام، لتكن مهمتها الانتقام بالقتل بعد(2003)؟
هل عرف خاطف اسم عشتار أنَّها ابنة الآلهة، في زمانها البابلي، وهي رمز لكوكب «الزُّهرة»، أخذت الشعوب «عشتار»، وعند كلّ شعب اسم لها مِن لغته وبيئته، عند الإغريق «فروديت»، والرُّومان «فينوس»، والفرس «أناهيد»، والسبئيين باليمن «عشتر»، وبعيداً وصلت إلى النِّيبال باسم «تارا»(عبد الحق فاضل، تاريخهم مِن لغتهم 1972). كانت سيدة الآلهة، ابنة الإله الكبير «آنو»(نفسه).
ما زالت بوابة عشتار، بكامل هيئتها، تضفي على متحف بيركامون ببرلين الهيبة وجذب البشر لرؤيتها، فبين جدرانها يحلم الزَّائر أنه ببابل، يشم القرون الخوالي، ليفيق على أجهزة الحراسة الحذرة حد الصَّمت، وعلى رطانة النَّاس المبهورين، وقفت أتأمل ألوان أحجار البوابة الزَّاهية، مِن أيّ مادة حضّرها الفنان البابلي، وكيف شكلها هذه التشكيلة العجيبة مِن رسوم الكائنات، فأعطاها قوة البقاء عبر الدُّهور، وإذا تنتهي في عصر «مجهول المالك» إلى عنوان دُكان أحد أبرز واجهات التّجارة بالعملة!
قد لا يعرف غير العراقيين معنى «الكفيل»، ليتحول إلى شركة لحوم واستثمارات، تابعة للعتبة العباسيَّة، وهي إمبراطورية (بزنس)، ولها «مركز الكفيل الإسلاميّ»، و«نور الكفيل». تغزو الأسواق بهذا الاسم، المقدس عند سواد شيعة العِراق، فهو لقب للعباس بن عليّ بن أبي طالب(قُتل: 61هـ)، خرج فقيهها يوماً يوصي العراقيين بالصَّبر والاهتمام بالآخرة، مثلما شركة الدَّفع الإلكتروني هيمنت على اسم عشتار لإزاحتها مِن الأذهان.
يبدو أنَّ اختيار الأسماء لشركات ماليَّة، مثلها مثل تسمية الكيانات والأحزاب، والدُّستور الذي فصلوه بنواياهم غير العِراقيَّة، والقول لمعروف الرُّصافي(ت: 1945)، في ما يتعرض له العِراقيون مِن أصحاب الدَّكاكين اليوم: «ولم نكَ ندْري لاهتضام حقوقنا/أنحن مِن الأحرار أم نحن في رقِّ/ولم نستفد إلا سقوط وزارةٍ/وتأليف أخرى مثل تلك بلا فرقِ»(الدِّيوان، شكوى إلى الدُّستور 1909). أقول: ماذا قدمت قائمة «الشَّمعة» مِن ضياء مثلاً لا حصراً؟!
يوجد في الأسماء ما يُعرف بالتَّضاد، مولى الإخشيديين حاكم مصر سمّي كافوراً لسواده(ت: 357هـ)، كما سميت جارية جعفر المتوكل، وأمّ المعتز، قبيحةً لفرط جمالها(ت: 264هـ). أمَّا في تسميات الأحزاب والكيانات والشَّركات فالعكس، الاسم مظهر لتلميع المضمون! والقياس على تسمية شركة مالية عابثة، ببوابة عشتار، و«الكفيل» يحسب البسطاء بضاعتها مقدسة.
عُذراً، مفردة «الدُّكان»، ليست مني، اقتبستها مِن حسين النُّوري(ت: 1911)، ومرتضى المُطهري(اغتيل: 1979)، أشارا بها إلى قراء المنابر الذين يقتلون الحُسين سنوياً(اللُّؤلؤ والمرجان، والملحمة الحُسينية).
نقلا عن الاتحاد