بدر بن سعود
يفترض في الشارع أن يكون موزعا أو ناقلا للحركة المرورية، وكلا الوظيفتين لا تؤديان بالطريقة الصحيحة في مدن المملكة الرئيسة، ومترو الرياض عند تشغيله لن يحل أزمة الزحام اليومية، لأن ثقافة استخدام النقل العام مفقودة في المجتمع المحلي، ومن الأدلة أن قطار المشاعر لم يخفض من زحام الحجاج ويغير في عاداتهم قبله..
المملكة استطاعت خفض وفيات الحوادث المرورية بدرجة كبيرة، وذلك بعد أن تراجعت من 29 وفاة لكل مئة ألف إلى 17 وفاة عن نفس العدد، خلال الفترة ما بين عامي 2016 و2019، وبنسبة انخفاض وصلت إلى 40 %، وقد وفر هذا على الدولة ثمانية مليارات دولار، ويجرى العمل على إيصاله إلى 3 وفيات في 2028، وتمكنت أمانات المناطق وباستخدام تطبيق بلدي، الذي جعل المواطن والمقيم شريكين مع البلديات في رصد ملاحظات الشوارع، من إصلاح 7 ملايين حفرة في شوارع المملكة الداخلية خلال عام 2020، ومعها معالجة ما يزيد على 188 نقطة سوداء تتكرر فيها حوادث الطرق، وبتكلفة تصل إلى 107 ملايين دولار، وكلها إنجازات مهمة، ولعل المشكلة الأهم تبدو في الازدحامات المرورية، فالمؤشرات العالمية تضع مدينتي الرياض وجدة في المركزين الثالث والرابع، ضمن المدن العربية الأكثر ازدحاما، وبمعدل 84 ساعة يقضيها السائقون سنويا في زحام جدة، و81 ساعة سنوية لسائقي السيارات في زحام الرياض.
يفترض في الشارع أن يكون موزعا أو ناقلا للحركة المرورية، وكلا الوظيفتين لا تؤديان بالطريقة الصحيحة في مدن المملكة الرئيسة، ومترو الرياض عند تشغيله لن يحل أزمة الزحام اليومية، لأن ثقافة استخدام النقل العام مفقودة في المجتمع المحلي، ومن الأدلة أن قطار المشاعر لم يخفض من زحام الحجاج ويغير في عاداتهم قبله، وأعتقد أنهم تأثروا بالمطوفين السعوديين، بخلاف أنه وفي 2010 كان عدد سكان الرياض قرابة خمسة ملايين، وكانت تتحرك في شوارعها يومياً مليون سيارة، وبمتوسط سيارتين لكل عائلة، ولم تتجاوز نسبة الحافلات وسيارات الأجرة 4 %، ووفق الإحصاءات الرسمية لعام 2015، فإن خسائر مدينة الرياض السنوية نتيحة للاختناقات والحوادث المرورية، وصلت إلى خمسة مليارات وست مئة مليون دولار.
في المقابل نشرت جامعة نايف العربية دراسة لافتة في 2022، وكان من بين نتائجها أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الغربية لا تصلح للدول العربية، وليس بالإمكان استخدامها في تعزيز السلامة المرورية، والسبب هو الازدحام الشديد في مناطقها الحضرية، والمؤكد أن الحلول الارتجالية لمواجهة هذه الإشكالية لن تؤدي إلى نتائج مقنعة على الأرض، ومن أهمها مواعيد الحضور والانصراف من المدارس، ومعه بداية ونهاية دوام الموظفين في القطاعين العام والخاص، بافتراض أن التأخير أو التقديم الزمني البسيط سيحدث فرقاً، وقد يكون من الجيد توسيع الفارق لأكثر من ثلاث ساعات، أو بعد حساب مسافة المشوار لكل فئة من الفئات السابقة.
علاوة على ذلك أعتقد أنه من المناسب تخصيص أيام للدراسة والعمل عن بعد، وأيام أخرى للدراسة والعمل الحضوري، وبالتناوب بين الفئات بما يمنع التعارض، ويجعل الشارع مرتاحاً لا متشنجاً، واعتماد المراجعات الإلكترونية في المعاملات الاعتيادية وكخيار وحيد، وقراء المستقبل المروري لمواقع الأبنية الحكومية والخاصة قبل الموافقة عليها، مع الأخذ بمبدأ شارع الاتجاه الواحد في أوقات الذروة وفي المواسم والفعاليات، وفرض رسوم على استخدام الشارع في الأوقات المزدحمة، كما فعلت مدينة لندن البريطانية بفرضها لضريبة الزحام أو ما يعرف بـ (الكونجستشن شارج) لأغراض الحد من الاختناق المروري وما يصاحبه من تلوث بيئي، ولتشجيع الناس على استبدال السيارات الخاصة بالنقل العام، وهو ما نحتاج لوجوده في مدينتي الرياض وجدة بعد اكتمال مشاريع النقل العام فيهما.
من بين الحلول الإضافية المقترحة لمواجهة الزحام، فكرة الأحياء المتكاملة التي تمكن الشخص من القيام بمعظم مشاويره داخل حيه، وإزالة الطرق السريعة داخل المدن، واستبدالها بمسارات نقل عام، وقد قامت مدينة سيئول الكورية بإزالة هذه الطرق، واستبدلتها بشبكة حافلات تعمل بكفاءة وجودة عالية، وتجربتها تستحق النقل بحسب الاحتياج، ويمكن، في رأيي، إرجاع الزحام المروري في المملكة، إلى أن تخطيط الشوارع لم يضع في حساباته، منذ البداية، التمدد العمراني ولا حتى النمو السكاني الحتمي في المدن الرئيسة، ما يفسر التأخر في تنفيذ بعض الطرق الجديدة أو البديلة، والسبب أنها تتعارض مع المسارات القديمة للمرافق العامة كخطوط الكهرباء والمياه والهاتف وغيرها.
جهاز المرور السعودي اعترف، في أكثر من مناسبة، أن الزحام يحتاج لحلول هندسية وبدائل تدخل في اختصاص وزارتي الشؤون البلدية والنقل، وتعمل عليها مكاتب استشارية استناداً لدراسات متخصصة وتصاميم معينة، فما الذي يمنع من تحويلها لمن يستطيع التعامل معها، مع إحالة مهام المرور الميدانية والمكتبية ذات الطابع الأمني إلى دوريات الأمن السعودية، وبحيث يدخل العمل المروري ضمن هيكلها الإداري والميداني، وبما يمكن الدوريات من تحقيق الاستفادة الكاملة من كوادر المرور البشرية وآلياته، ويعيده إلى وضعه الذي كان عليه قبل أكثر من 20 عاماً، وبما يواكب تطلعات رؤية 2030 الطموحة، فالرياض ستستقبل 40 مليون زائر، بعد ثمانية أعوام، وستصل أعداد السيارات في شوارعها إلى 25 مليونا، ولا مجال للاجتهادات.
نقلاً عن “الرياض“