رجل الأعمال.. ذلك المجهول!
عبد المنعم سعيد
سعدت كثيرا عندما تصدرت فى الأسبوع الماضى أنباء لقاء الرئيس السيسى فى اجتماع مطول مع رجال الأعمال. وسعدت أكثر عندما قام بافتتاح مشروع «الرمال السوداء» داعيا القطاع الخاص إلى المشاركة فى استغلال وتصنيع وتصدير منتجات جديدة على قائمة الصادرات المصرية.
وفى الحقيقة أن الرئيس لم يكف قط عن مطالبة القطاع الخاص بالمشاركة فى النهضة المصرية القائمة منذ بدأت علاماتها الأولى فى عام ٢٠١٥.
وخلال سبع سنوات من البناء كان افتتاح كل مشروع جديد داعيا إما إلى المشاركة أو المزيد من المشاركة. وحاليا سوف يبدأ الحوار المصرى الاقتصادى لثلاثة أيام، سوف يكون يوم كامل منها مخصصا للقطاع الخاص ودوره فى الخريطة الاقتصادية التى سوف تكون موضوع اليوم الثالث والأخير من الحوار.
والمؤكد أن «الحوار الوطنى» فى لجنته الاقتصادية، وما سوف يتفرع عنها من لجان، سوف يكون فيها للقطاع الخاص ورجال الأعمال نصيب وحظ كبير. والحقيقة أن مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولى اشتملت ضمن ما اشتملت على إصلاحات «هيكلية» وقع فى مقدمتها أن يكون للقطاع الخاص نصيب أكبر فى الاقتصاد المصرى مما هو عليه كجزء هام من التعامل مع الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الاقتصاد العالمى ومن بينها مصر.
وللحق فإن دولة رئيس الوزراء مصطفى مدبولى لم يقصر أيضا فى التعبير عن أهمية تحقيق المزيد من مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد القومى. ومنذ شهور كما نعلم جميعا فإن مجلس الوزراء قدم وثيقة ملكية الدولة وفيها ثلاثة فصول؛ أولها عن قطاعات كاملة سوف «تتخارج» منها الدولة للقطاع الخاص، أو تتشارك فيها مع القطاع الخاص، أو تكون الدولة مسؤولة مسؤولية كاملة عنها استثمارا وإنتاجا، وهو ما يعنى أن القطاع الخاص سوف يكون متواجدا فى كل أمر آخر لا توجد فيه الدولة. الوزيرة القديرة د. هالة السعيد من موقعها كوزيرة للتخطيط ومسؤولة عن «الصندوق السيادى القومى» لم تتوقف عن حث المستثمرين الأجانب والمصريين على القدوم للسوق المصرية والاستثمار فيها.
القائمة بعد ذلك طويلة من المسؤولين وكلها تحث القطاع الخاص على الإقدام والاقتحام والقيام بدوره فى الاقتصاد المصرى. ومع ذلك فإن هناك القليل الذى نعلمه عن ذلك القطاع الذى عندما يذكر اسمه فإن هناك الكثير من الهواجس التى تحيط به. وفى ستينيات القرن الماضى عندما كان للفلسفة الماركسية ذيوع فإن فكرة أن الرأسماليين (وهو وصف آخر للقطاع الخاص أو رجال الأعمال أو المستثمرين من غير الدولة) يستولون على عرق العمال الذين يحققون فائضا للقيمة يذهب إلى جيوب من لا يعملون ولا يبذلون جهدا. وفى السبعينيات والثمانينيات وبالتوازى مع الدعوة التى قال بها الرئيس أنور السادات للانفتاح الاقتصادى تماشيا مع دعوات مماثلة ذاعت فى الصين ودول شرق وجنوب شرق آسيا؛ فإنه سرعان ما أصبحت بدايات الانفتاح نوعا من «السداح مداح» الذى يسبب الغواية للأغنياء الذين يزدادون غنى على غناهم، والسحق للفقراء الذين يزدادون فقرا على فقرهم. ولم يمض وقت طويل حتى دخلت السينما المصرية والمسرح المصرى إلى الساحة لكى نقتل رجال الأعمال بالساطور تارة وبوسائل أخرى تارة ثانية. وللحق فإن عمليات الاغتيال للشخصية استثنى منها بعد ذلك هؤلاء الرأسماليون الذين كانوا فى العصر الملكى وجاءوا من كواكب أخرى خلاقة ومبدعة، و«صنايعية» تلتف أصابعهم بالحرير، وما هو أكثر.
مثل هذه «البركة» لم يحصل عليها رأسماليو القرن الواحد والعشرين، فهم كانوا فى عصبة «الثروة والسلطة» فى عهد الرئيس مبارك، وبعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ورغم دعوتهم للمشاركة فإن لا أحد يريد مشاهدة وجودهم إلا من خلال زيجات الفنانات. فى لقاء الرئيس مع رجال الأعمال المشار إليه لم تنشر الصحف اسما ولا صورة واحدة لرجل أعمال ممن حضروا اللقاء، أو قولا منهم يعبر عن استجابة لدعوة الرئيس، وما كان فيها من مقترحات أو شكوى من عقبات. وعندما دعا الرئيس للمشاركة فى استغلال الرمال السوداء فإن لا أحد فى الإعلام المصرى اهتم بالبحث عن هؤلاء المصريين الذين يعملون فى هذا المجال. الصمت كان مدويا فى كل أحوال الدعوة، ولا كانت المشاركة فى الواقع الحالى مذكورة، ولا حجم التشغيل المتوقع، ولا المجالات التى يبرز فيها القطاع الخاص ولا تلك التى يبتعد عنها. ورغم أن رنين الدعوة للمشاركة عال، فإن صداها غائب أو مكتوم فى أحسن الأحوال، بينما قوانين الحكومة وتعديلاتها فى الأغلب تتوسع فى دور الدولة. هنالك شىء ما مفقود.. والحديث متصل.
* نقلا عن “المصري اليوم“