قضايا ودراسات

إعلام «داعش»

ابن الديرة
يكبر تنظيم «داعش» الإرهابي في رؤوسنا وفي وعينا الجمعي أكثر مما يكبر في الواقع. هو يلمس، واقعياً، من خلال عمليات إجرامية تنسب إليه، عمليات مما تقوم به عصابات، ووجوده إنما يحس من خلال أفراد، شرذمة قليلين هنا وهناك، عددهم ضئيل جداً جداً نسبياً، وإنما يتحقق حضورهم، خارج دولتهم الوهمية، عبر آخرين مناصرين في الفكر والاتجاه، وبعضهم يلبس لبوساً مغايراً. قد يكون أكاديمياً أو مثقفاً بين قوسين أو إعلامياً، والمنتمون إلى التفكير الظلامي من هؤلاء إنما يضادون هوياتهم الظاهرة، فلا يستقيم، منطقاً ومنهجاً، أن يكون المرء مثقفاً و«داعشياً» في الوقت نفسه.
مقدمة وقد طالت، لكنها ضرورية إذ تمهد لموضوع «إعلام داعش»، فيما ينطبق المقصود ذاته على كل إعلام مماثل أو مشابه، وكل إعلام تكفيري أو منتم لتيارات التطرف والإرهاب والظلام.
ما هو إعلام «داعش»؟ هل هو إعلام التنظيم الإرهابي وحده؟ هل تسهم معه تيارات قريبة ومماثلة؟ الإجابة الإيجابية هنا هي بعض الإجابة، والجواب الحقيقي أبعد من ذلك وأعمق، فقد أسهمنا جميعاً، للأسف في إعلام تنظيم «داعش» الإرهابي، وأسهمنا بالقدر نفسه، من حيث لم نرد أو نشعر في الترويج للإرهاب كله، من ألفه إلى يائه، ومن منبعه إلى مصبه.
أسلوبنا، في التعاطي الإعلامي والثقافي، عربياً، مع الإرهاب، مع تنظيم «داعش» خصوصاً باعتباره المثال الصارخ، أسلوب خاطئ منذ البداية، وقد أسهمنا، معاً، من حيث لم نرد أو ندري أو نشعر، في تضخيم حجم ظاهرة شاذة ومنتهية بالضرورة، لأن فكر العصابة إلى زوال، وهو لا يقوى طويلاً، بسبب من طبيعته، على مواجهة فكر الأمة.
لكن ماذا فعلت الأمة؟ تنوعت اتجاهات إعلامها، كالعادة، إلى حد التناقض، فقدمت أكبر خدمة لداعش، في غياب التنسيق وبالتالي الاتساق، ومضت مؤسسات في طريق تضخيم داعش، حيث الموضوع موضوع إثارة وجذب، بالمقاييس السائدة، ووفق نظرية «الجمهور عايز كده»، ولسوف لن نعدم الشواهد الدالة لو تتبعنا الدراما العربية التي تعالج أو تتناول العنوان، وآخرها مسلسل رمضاني يعرض حالياً.
لا يراد هنا التقليل من خطر تنظيم «داعش» أو الاستهانة بوجوده وأثره، لكنها دعوة إلى العقل والحكمة والتوازن ونحن نتناول تنظيم «داعش» أو سواه إعلامياً، فالأخطاء في هذا السياق قاتلة، وقد يتحول جهد البناء إلى معول هدم، لو ذهب البرنامج الإعلامي أو العمل الدرامي إلى المبالغة والتسطيح في آن معاً.
طبعاً الموضوع شائك وليس سهلاً، خصوصاً لجهة عدم إمكان السيطرة، لكن التنبيه واجب: تنظيم داعش الإرهابي بما هو الأنموذج الأكثر حدة ومباشرة وضجيجاً استفاد كثيراً من ضجيجنا، ومن غفلتنا، ومن نزوعنا، في الأغلب الأعم، إلى المبالغة.
ومن دون الإعلام العربي، هكذا في مجموعه وإطلاقه، لكان تنظيم «داعش» الإرهابي القائم على بيع نساء الأقليات والقتل على الهوية، في رؤوسنا وفي الواقع، أصغر وأحقر.
ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى