قضايا ودراسات

مجزرة مانشستر وحروب الشرق الأوسط

باتريك كوكبيرن

المجزرة التي وقعت في مدينة مانشستر البريطانية في 22 مايو/ أيار (23 قتيلاً و116 جريحاً) هي حدث رهيب يرتبط بالعنف المحتدم في منطقة شاسعة تمتد من باكستان إلى نيجيريا ومن سوريا إلى جنوب السودان.
تقع بريطانيا على أطراف منطقة الحرب هذه؛ لكن ليس هنالك ما يدعو للدهشة بأنها أصيبت بشرارة هذه النزاعات الضارية. ومع أن هذه النزاعات تحتدم منذ وقت طويل، إلا أنها بالكاد تذكر في وسائل الإعلام، في حين أن بقية دول العالم تتصرف وكأن حالة الحرب الدائمة هذه هي أمر طبيعي.
وفي أعقاب مجزرة مانشستر، كان من المحتم أن يتركز الاهتمام الشعبي في بريطانيا على ظروف هذه المأساة، وعلى ما يجب عمله لتجنب تكرارها؛ لكن فهم أسباب ما حدث سيفتقر للواقعية دون فهم الظروف، التي أدت إلى هذه المجزرة.
ولا بد من التشديد على أن تفسير ما حدث لا يعني تبريره؛ إذ إن أي معركة – خصوصاً المعركة ضد تنظيمات، مثل: «داعش» و«القاعدة» – لا يمكن خوضها وكسبها دون فهم العناصر السياسية، والدينية، والعسكرية، التي أنتجت مجتمعة منفذ الهجوم الانتحاري في مانشستر (البريطاني من أصل ليبي) سلمان رمضان عابدي، إلى جانب شبكة «الجهاديين» السرية، التي كان جزءاً منها.
إن وسائل الإعلام الغربية كثيراً ما تتجاهل، أو تكتفي بإشارات عابرة إلى العنف المزمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومقتل المدنيين في مجازر تقع في بغداد ومقديشو يعد أمراً طبيعياً وحتمياً. وعلى سبيل المثال، قبل أسبوع من مجزرة مانشستر، أسفر هجوم شنته إحدى الميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس عن مقتل 28 شخصاً، وإصابة 130. وهذا العدد من الضحايا أكبر من عدد ضحايا مانشستر؛ لكن وسائل الإعلام اكتفت بإشارات عابرة إلى الهجوم. كما أن وسائل الإعلام تتجاهل الأعمال الإجرامية لأمراء الحرب الليبيين، كما لو أنهم يعملون على كوكب آخر.
وبريطانيا لعبت دوراً أساسياً في إسقاط معمر القذافي في 2011 دون أن تأخذ بعين الاعتبار أنه لم يكن يوجد أحد سوى أمراء الحرب هؤلاء للحلول محل نظامه. وفي حينها، كنت في بنغازي وطرابلس، وقد شاهدت عصابات المتمردين وهي تحقق الانتصار فقط، بفضل الضربات الجوية لحلف الأطلسي. إلا أن المتمردين لم يستطيعوا ملء الفراغ عقب سقوط نظام القذافي. وكان واضحاً منذ البداية أن تنظيمات إرهابية، مثل: «القاعدة» سوف تستغل هذا الفراغ.
ولكن بريطانيا لم تدرك حقيقة ما حدث في ليبيا في 2011، إلا منذ تفجير مانشستر الإرهابي. وكما أنه لا يمكن إنكار الصلة بين مرتكبي اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2011 في أمريكا والدعم الغربي ل«المجاهدين»، الذين حاربوا الشيوعيين والاتحاد السوفييتي في أفغانستان في الثمانينات، فإن الصلة مؤكدة أيضاً بين تفجير مانشستر واستخدام الحكومة البريطانية ل«جهاديين» سلفيين من بريطانيا من أجل التخلص من القذافي. وقد أعلن زعيم «حزب العمال البريطاني» المعارض جيريمي كوربن في بيان أن هناك صلة واضحة بين السياسة الخارجية البريطانية، التي سعت إلى تغيير الأنظمة في العراق وسوريا وليبيا، وتنامي قوة تنظيمات إرهابية، مثل: «القاعدة» و«داعش»؛ لكن الحكومة البريطانية رفضت هذا التفسير.
إن تفجير مانشستر هو جزء من تركة التدخلات العسكرية البريطانية الفاشلة في الخارج؛ لكن هل سيكون هذا الدرس التاريخي مفيداً لتجنب حدوث مصائب أخرى مثل مصيبة مانشستر ؟.
إن تحليل أخطاء الماضي مهم من أجل تفسير الواقع؛ لأنه لا يمكن محاربة ودحر الإرهابيين طالما أنهم يمتلكون ملاذات آمنة في بلدان تعمها الفوضى؛ نتيجة عدم وجود حكومة مركزية. ويجب عمل كل شيء من أجل ملء هذا الفراغ في تلك البلدان في الشرق الأوسط، الغارقة في الفوضى والاقتتال. وهذا يعني أن محاربة الإرهاب بفعالية تقتضي بلورة سياسة خارجية متعقلة يمكنها أن تحقق هذا الهدف.
إن القضاء على الملاذات الآمنة للإرهابيين الذين ينفذون مثل هذه المجازر لهو ضرورة من أجل إزالة خطر وقوع تفجيرات مماثلة أخرى. والإجراءات الأمنية داخل بريطانيا لن تكون كافية أبداً؛ لأن تنظيمات مثل: «القاعدة» و«داعش» تستهدف مجمل السكان البريطانيين، ومن المستحيل حماية جميع هؤلاء السكان.

صحفي وكاتب إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط – موقع صحيفة «ذي اندبندنت»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى