البرازيل تنتفض ضد الفساد
سوزان روس اكيرمان *
الاحتجاجات على الفساد في البرازيل، جارية على قدم وساق، ولكن المسألة الحقيقية هي ما إذا كان الضغط الشعبي سوف يحقق إصلاحات قادرة على إنعاش الديمقراطية البرازيلية.
تزداد التحركات الشعبية والتظاهرات في البرازيل حدّة ونشاطاً، وقد تفاقمت في الأيام الأخيرة مع اكتشاف شريط مسجل يُثبت موافقة الرئيس ميشال تامر، على دفع 600 ألف دولار أمريكي رشوةً لشراء صمت حليف سياسي موصوم بالعار. وينكر تامر ارتكاب مخالفات ويرفض الدعوات التي تطالبه بالاستقالة، على الرغم من أن التقارير الجديدة تتفق مع تقارير أخرى تتحدث عن تورط الزعيم البرازيلي وشركائه. وبالإضافة إلى نشر تسجيلات المحاورات الصوتية الدامغة، نشرت إحدى وسائل الإعلام الإخبارية البارزة، صوراً يقال إنها تُظهر أكداس الأموال النقدية المستخدمة في دفعات شراء الذمم.
وعلى الرغم من خطورة هذه الأزمة، فإني- باعتباري أكاديمية تبحث في الاقتصاد السياسي للفساد، أرى بعض الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل. فالتحقيقات والإدانات الجارية، تبرهن بوجه عام، على أن المدعين العامين والقضاة المستقلين في البرازيل، لا يزالون ملتزمين بعمق بالتحقيق في الفساد الجاري على مستوى عالٍ، والمعاقبة عليه. وهم يتمتعون بدعم شعبي قوي، وقد بدأت جهودهم الرامية إلى القضاء على إفلات النخبة التجارية والسياسية من العقاب، تؤتي ثمارها.
وبصرف النظر عمّا يحدث مع القيادة البرازيلية، سيكون من الضروري فرض المزيد من التطبيق الجريء للقانون ضدّ الفساد. ولكن ذلك ليس كل شيء. وكان تامر قد تولى الرئاسة قبل عام مضى، على أساس مؤقت، ثم تولاها رسمياً بعد ذلك ببضعة أشهر. وقد جاء إلى السلطة من خلال الإطاحة المثيرة للجدل، عن طريق الاتهام للرئيسة السابقة المنتخبة ديمقراطياً، ديلما روسيف. ولم تتوقف الدعوات المطالبة بإزالته منذ ذلك الحين أبداً.
وتطالب الاحتجاجات الأخيرة بأن تُجرى الآن على الفور، الانتخابات التي من المقرر أن تجرى في أكتوبر/ تشرين الأول 2018. ولو خرجت منها رئاسة تامر سالمة، فسوف تواجهه متاعب في الحكم، إذ انهارت نسبة التأييد الشعبي له إلى ما دون عشرة في المئة، حتى قبل هذه السلسلة المدمرة من الأخبار.
وترتبط الرشوة التي ظهرت على السطح هذا الأسبوع، بتحقيق واسع النطاق في صناعة تعبئة اللحوم في البرازيل، التي تضم أكبر مصدِّر للحم البقر في العالم، وأكبر شركة للدواجن. ويسير هذا التحقيق جنباً إلى جنب، مع محاكمة الرشوة واسعة النطاق، المرتبطة بشركة بتروبراس النفطية الضخمة في البلاد. ولكن ضمان نزاهة الحكومة سوف يتطلب أكثر من اتخاذ إجراءات صارمة في أي مجال محدَّد من المخالفات.
ولكن ما يعقّد حملة البرازيل المناهضة للفساد، هو خطط الحكومة لإجراء إصلاحات عميقة في الاقتصاد وفي السياسة الاجتماعية، من شأنها أن تسبب ألماً لمعظم السكان. ولتطبيق مثل هذه السياسات، تحتاج البرازيل إلى ثقة الناخبين، وإلى القدرة على شرح الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها التضحيات الحالية إلى فوائد في المستقبل.
وبالنظر إلى انعدام الشعبية المتأصل، فإن تامر وحلفاءه، سوف يواجهون صعوبة دوماً في إقناع الجمهور بذلك. وستجعل الفضائح الأخيرة، مثل هذا الإقناع مستحيلاً تقريباً.
وينبغي تسخير هذه الأزمة لصالح الديمقراطية البرازيلية. فالسيطرة على الفساد ممكنة، ولكن المدعين العامين والقضاة، لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك بأنفسهم. وهنالك عقبات كثيرة تعترض سبيل خلق نظام سياسي أنظف. فالبرازيل لديها أكثر من 30 حزباً سياسياً، ولا يستطيع أيٌّ منها أن يفوز بأغلبية تشريعية مباشرة.
والإصلاحات.. لن تقضي على الفساد وحدها. ولكنها سوف تقلل حوافز الساسة إلى حكم أكبر بلد في أمريكا الجنوبية من خلال ابتزاز الأموال. وعلى الرغم من أنه سيكون من الصعب على البرازيليين أن يتخطَّوا جرعتهم اليومية من الفضائح، فإن المسألة الحقيقية هي ما إذا كان الضغط الشعبي سوف يحقق إصلاحات قادرة على إنعاش الديمقراطية البرازيلية.
أستاذة فلسفة التشريع في جامعة ييل (الأمريكية). موقع: «ذي كنفرسيشن»