الاتصالات بين واشنطن وموسكو «ليست سراً»
جاريث بورتر
تلمح وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية إلى أن مستشارين للرئيس دونالد ترامب قد يكونوا ارتكبوا مخالفات قانونية بسبب إجرائهم محادثات سرية مع مسؤولين روس، ولكن تقاريرها تتجاهل تاريخاً طويلاً لهنري كيسينجر الذي فعل الأمر ذاته من أجل الرئيس ريتشارد نيكسون.
في نهاية مايو/ أيار، تسرب إلى صحيفة «واشنطن بوست» تقرير استخباراتي يقول إن جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره في البيت الأبيض، اجتمع مع السفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك في أوائل ديسمبر/ كانون الأول ( عقب انتخاب ترامب رئيساً ) لمناقشة مسألة فتح قناة اتصال سرية مع موسكو. وبدا أن ذلك التقرير شكل ذروة حملة تسريبات ضد فريق ترامب فيما يتعلق باتصالات بين مساعدين لترامب والروس.
وجاء تسريب هذا التقرير عقب تقرير مثير آخر بثته شبكة «سي إن إن» في 17 مايو/ أيار يتعلق برصد الاستخبارات الأمريكية أحاديث بين مسؤولين روس خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية تباهوا خلالها بأنهم أقاموا علاقة جيدة مع الجنرال المتقاعد مايكل فلين (الذي عينه ترامب مستشاراً للأمن القومي ثم أقاله بعد فترة قصيرة) وأن بإمكانهم استخدامه من أجل التأثير على ترامب.
وبدا أن هذين التقريرين المسربين يتناغمان مع شهادة المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» جون برينان أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب يوم 23 مايو/ أيار والتي عبر فيها عن قلقه بشأن «معلومات استخباراتية» تتعلق بجهود روسية من أجل «إغراء» أمريكيين معينين – بمعنى استدراجهم للقيام بأعمال غير مشروعة.
وبدوره، قال مدير الاستخبارات الوطنية السابق جيمس كلابر في شهادة مماثلة إن محاولة «إخفاء هذا الحوار» (الاتصالات مع الروس) يجعل طلب جاريد كوشنر (فتح قناة اتصال سرية) مريباً.
غير أن إيحاءات برينان وكلابر بأن طلب كوشنر يمكن أن يشكل «خيانة» تفقد أي قيمة على ضوء الوقائع الموثقة جيداً بشأن قيام هنري كيسنجر، مستشار الرئيس المنتخب في 1968 ريتشارد نيكسون، بفتح قناة اتصال خلفية شخصية مع القيادة السوفييتية من خلال عميل معروف لل «كي جي بي» (الاستخبارات السوفييتية) كان يلتقيه على مدى سنوات.
وقد نشر المؤرخ الأمريكي ريتشارد موس، الذي كان يعمل لدى كلية الحرب البحرية الأمريكية، مؤخراً دراسة مطولة تعتبر مرجعية حول قناة كيسنجر السرية تظهر أن كيسنجر بدأ إقامة قناة الاتصال السرية مع القيادة السوفييتية من خلال العميل السوفييتي منذ ديسمبر/ كانون الأول 1968، أي بعد قليل من قرار الرئيس المنتخب نيكسون تعيينه مستشاره للأمن القومي.
والعميل السوفييتي كان بوريس سيدوف، الذي كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعرف أنه عميل لل «كي جي بي». وأول مرة التقى فيها كيسنجر ذلك العميل السوفييتي كانت خلال مناسبة في جامعة هارفارد. وقد استمرت الاتصالات بين الرجلين بعد انتخاب نيكسون رئيساً في 1968.
ويروي كتاب موس كيف استخدم كيسنجر العميل سيدوف كقناة اتصال لكي يتفق مع السوفييت على أن يصبح مفهوم «الترابط» بين مسائل سياسية مختلفة عنصراً أساسياً في المفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وحسب رواية موس، فإن سيدوف أعطى كيسنجر ورقة للحكومة السوفييتية تتعلق بالشرق الأوسط.
وعندما تم تنصيب نيكسون رئيسا، اتفق كيسنجر والسفير السوفييتي أناتولي دوبرينين على أن أي اتصالات سرية بين واشنطن وموسكو ستتم من الآن فصاعداً عبر دوبرينين بصورة حصرية.
وكلا قناتي الاتصال كيسنجر – سيدوف وكيسينجر – دوبرينين أبقيتا سراً عن بقية أعضاء مجلس الأمن القومي في إدارة نيكسون. كما وافق نيكسون على إقامة خط هاتفي سري آمن في البيت الأبيض للاتصال مباشرة مع دوبرينين. وكل ذلك أبقي مخفياً عن وكالات الاستخبارات الأمريكية.
واليوم، جاريد كوشنر ومايكل فلين ليسا طبعاً شخصين بوزن كيسنجر. ولكن الإيحاءات الحالية بأن مستشاري ترامب قد تجاوزوا الحدود بإجرائهم اتصالات سرية مع الروس إنما هي بحد ذاتها تجاوز للحدود. وبرغم ذلك، فإن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية تشارك بحماسة في حملة للطعن في ولاء مستشاري ترامب، مع أنه لم تظهر حتى الآن أي أدلة تؤيد مثل هذه الشكوك.
مؤرخ أمريكي وصحفي استقصائي مستقل حائز عدة جوائز – موقع «كونسورتيوم نيوز»