المدنيون ضحايا الحروب المعاصرة
هوارد ليسنوف *
تتكاثر العمليات الإرهابية والعسكرية التي تستهدف المدنيين في سوريا والعراق وليبيا واليمن وبعض العواصم الأوروبية، بحيث تحوّل المدنيون إلى هدف محدد لإيقاع الخسائر البشرية بينهم. فمثلاً كان العمل الإرهابي الذي استهدف مدنيين قبل أكثر من شهرين، كانوا يستقلون حافلات هرباً من الإرهاب في قريتي كفريا والفوعة السوريتين أحد الأعمال الإرهابية الفظيعة، لأن معظم الضحايا كانوا من الأطفال.
لم يتضح بعد الطرف المسؤول عن هذا الاعتداء الذي استهدف حافلات كانت تقل نازحين، من ضمنهم 68 طفلاً. وحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» (مكتب إعلامي معارض للحكومة السورية مقره في بريطانيا)، فإن ما مجموعه 126 شخصاً قتلوا في هذا الاعتداء، كان بينهم جميع الأطفال ال 68.
ولنقارن هذا الاعتداء بالتفجير الانتحاري في مدينة مانشستر الإنكليزية، حيث قتل 22 شخصاً، كان بينهم 12 طفلاً. فقد تصدرت هذه المأساة اهتمامات وسائل الإعلام، التي نشرت سير حياة وصور الضحايا. أما في حالة الاعتداءات في سوريا، فإن أي سير حياة أو صور لم تنشر. وهذه هي الحال أيضا بالنسبة للتقارير عن مثل هذه المجازر التي يشكل الأبرياء ضحاياها في بلدان مثل العراق والصومال وغيرهما.
وفي الغرب، ينتظر من وسائل الإعلام أن تقدم تغطية كاملة لمثل هذه الأحداث الرهيبة، بينما في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى من العالم، يكون توثيق رعب جرائم قتل مدنيين أبرياء أكثر صعوبة بكثير، سواء بالنسبة للصحفيين أو لمنظمات حقوق الإنسان. وإذا ما حدث توثيق دقيق لاعتداءات تقع في مناطق بعيدة أو نائية، فهذا يستغرق عادة شهوراً أو أكثر.
وفي العراق، أقر البنتاغون أن ضربات جوية نفذتها طائراته واستهدفت منزلاً في غرب الموصل «أسفرت عن مقتل 105 مدنيين على الأقل». وفي الحقيقة، محصلة الخسائر يمكن أن تكون قد وصلت إلى 141 قتيلاً مدنياً. ولكن وسائل الإعلام اكتفت بالقول إن «الولايات المتحدة أقرت بأن ضربات جوية قتلت أكثر من 100 مدني خلال معركة مع داعش». ولم تنشر وسائل الإعلام في تقاريرها أي صور.
وهذا يعني في الواقع أنه يتم تجاهل قواعد وقوانين الحرب. وتعليقاً على مقتل المدنيين في الموصل، قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إن الولايات المتحدة «شرعت في تسريع» حربها ضد «داعش»، وإن سياسة البنتاغون تحولت الآن من «حرب استنزاف» إلى «حرب إفناء» ضد «داعش». وأضاف: «الخسائر بين المدنيين هي واقع في الحياة لا يمكن تجنبه في هذا النوع من الأوضاع…. نحن لسنا بشراً مثاليين».
وفي الواقع، منذ الحرب العالمية الأولى، وخصوصا خلال وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان السكان المدنيون يعتبرون أهدافاً مشروعة يجوز مهاجمتها بالنسبة لكل المشاركين في الحرب، ابتداء من المخططين السياسيين والإستراتيجيين وحتى الجنود الأفراد في ميادين وأجواء القتال. وقد أصبحت «الأضرار التبعية» حجة مبتذلة، لتبرير مقتل مدنيين في الحرب، أو نتيجة للحرب.
وفي أعقاب فشل البشرية الذريع في حماية الأبرياء، أقر المجتمع الدولي اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب عام 1949. ومن بين حوالي 60 مليون إنسان قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية، كان هناك ما بين 50 و55 مليون مدني. ومن البديهي أن اتفاقية جنيف الرابعة وضعت من أجل تجنب تكرار مثل هذه الكارثة بين المدنيين.
غير أن الرؤساء الأمريكيين في السنوات الأخيرة أخذوا يفوضون العسكريين مباشرة سلطة شن الحرب. وهذا التعديل العملي في دور رئيس الولايات المتحدة، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية، يمنح الجيش سلطة أكبر لاستخدام القوة العسكرية في بلدان تتحول فيها العمليات القتالية من عمليات محددة الأهداف إلى عمليات قتالية شاملة.
إن هذا التغيير في سلطة شن الحرب، أضعف سلطة القيادة السياسية في مسائل الحرب والسلام. وكان لا بد أن يؤدي ذلك إلى سقوط أعداد أكبر من الضحايا المدنيين. وقتل مدنيين أخذ يصبح سمة الحرب في العالم في القرن الواحد والعشرين.
* كاتب مستقل – موقع «كاونتر بانش»