لماذا دمر «داعش» جامع النوري؟
بنيامين عيسى خان وخوسيه أنطونيو جونزاليس زراندورا*
قبل ثلاث سنوات، وتحديداً في يوم 29 يونيو/حزيران، وقف زعيم «داعش» أبوبكر البغدادي على منبر مسجد النوري الكبير في الموصل ليعلن إقامة «دولة» تمتد عبر سوريا والعراق، داعياً المسلمين في العالم إلى دعمه.
وفي 21 يونيو/حزيران 2017، وبينما كانت معركة تحرير الموصل تدخل مرحلتها النهائية، قام تنظيم «داعش» بتفجير الجامع بما فيه مئذنته الحدباء الشهيرة.
وكما قال الشاعر العراقي أحمد زيدان، فإن الجامع الكبير لم يكن فقط جزءاً مهماً من التراث الثقافي للمسلمين عموماً، بل كان يعتبر أيضاً جزءاً أساسياً من مشهد أفق الموصل، ورمزاً لتاريخ المدينة الطويل وتنوع مجتمعها. والمسجد ذاته بناه أمير حلب الذي عُرف بالملك العادل نور الدين زنكي في العام 1172، والذي يعتبر الحاكم المسلم الذي أطلق أول حرب ناجحة ضد الصليبيين.
ومع أن «داعش» زعم أن الأمريكيين هم الذين دمروا المسجد في غارات جوية، إلّا أن المشاهد المصورة التي نشرت عبر الإنترنت تبين أن تدمير المسجد تم بواسطة متفجرات من الداخل. وعلى كل حال، تدمير المسجد يتطابق مع نهج «داعش» العدواني الذي يستهدف تدمير الرموز الدينية.
وسيكون من الخطأ اعتبار تدمير جامع النوري الكبير عملاً يائساً تم في نوبة غضب بينما يواجه «داعش» الهزيمة الوشيكة في الموصل. فمنذ نشأته، كان هذا التنظيم يشن حرباً رمزية بموازاة حربه العسكرية. ومع تضعضع قوتهم وهم يدافعون عما تبقى لهم من أراضٍ تحت سيطرتهم، فإن حربهم هذه في الموصل أصبحت رمزاً للتعبير عن قوتهم وإيديولوجيتهم، كما أصبحت بمثابة نداء إلى أنصارهم لكي يواصلوا القتال.
وتنظيم «داعش» كان دائماً يتعمد تدمير مواقع تاريخية يبجلها ويقدسها سكان محليون. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو إثارة يأس ملايين اللاجئين والنازحين وإثناؤهم عن العودة وإعادة بناء مجتمعاتهم التي طالما تميزت بالتنوع العرقي والديني والثقافي. وكمثال على ذلك، فإن العديد من المسيحيين والإيزيديين في العراق الذين طردوا من مواطنهم يؤكدون الآن أنهم لن يعودوا إلى ديارهم. والسبب الواضح هو أن صلتهم الروحية والتراثية بمواطنهم لم تعد موجودة.
وهذا ينطبق أيضاً على جامع النوري الكبير. إذ إن سكان الموصل، والعراقيين عموماً، كانوا جد فخورين بالجامع ومنارته المحدبة، التي طبعت صورتها على ورقة النقد العراقية من فئة 10 آلاف دينار. كما أنهم يتألمون لتدمير الجامع، كما تألموا، ولا يزالون، لتدمير مواقع أثرية وتراثية عديدة على أيدي «داعش».
وهناك سبب رئيسي آخر دفع «داعش» إلى تدمير الجامع النوري الكبير، هو أن هذا الجامع بالذات هو الذي جعل العالم يعرف بوجود هذا التنظيم. ومن خلال تدمير هذا الجامع، يلفت «داعش» انتباه العالم إلى واقع أن كثيرين في الغرب يهتمون بتدمير مسجد أكثر من اهتمامهم بالمآسي الإنسانية التي تحدث كل يوم في العراق. ولهذا فإن تدمير المسجد هو أيضاً هجوم على الإيديولوجية «الغربية» التي تثمن الحفاظ على إرث مثل جامع النوري الكبير.
وأخيراً، عندما سيتم في النهاية تحرير الموصل من سيطرة «داعش»، فإن ذلك سيكون ثمرة معركة طويلة ومعقدة خاضتها مختلف المجوعات الدينية والعرقية في العراق وسوريا، وهو ما يعتبره «داعش» هجوماً «صليبياً». وفي نظر «داعش»، فإن تدمير المسجد الذي أعلن منه البغدادي «دولة خلافته» يعني حرمان المنتصرين في معركة الموصل من الاحتفال بهزيمة التنظيم الإرهابي.
إن تدمير معلم تراثي لهو محزن دائماً. وتدمير جامع النوري الكبير ليس فقط هجوماً على النسيج الاجتماعي للموصل، بل هو أيضاً هجوم على الشعب العراقي. وتنظيم «داعش» أراد حرمان الشعب العراقي من رمز تاريخي وروحي عندما سيعيد بناء مستقبل سلمي بعد زوال سيطرة وأهوال «داعش».
* أستاذان وباحثان بجامعة ديكن في أستراليا
– موقع «إنفورمد كومنت»