قضايا ودراسات

أمريكا ليست في خطر

جون غليزر*
يتعرض الأمريكيون لسيل متواصل من ادعاءات مضخمة بشأن تهديدات الإرهاب، والهجرة، وكوريا الشمالية النووية، والخطر الإيراني والروسي والصيني، وكل أنواع الأخطار التي يقال إنها تهدد النظام العالمي.
في الحقيقة، أمريكا لا تواجه أي تهديدات كبرى لأمنها القومي من الخارج؛ بل إن التهديد الأخطر، الذي يواجهه الأمريكيون يأتي من واشنطن ذاتها؛ حيث إن السياسات التي تهدف لمواجهة تهديدات مبالغ فيها إنما تهدر أموالاً، وتقوض الحريات المدنية، كما تقوض حكم القانون.
وعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالإرهاب والهجرة، فإن الواقع هو أن أياً منهما لا يشكل تهديداً جدياً للأمريكيين. وتظهر دراسات أن المهاجرين يرتكبون في المتوسط جرائم قتل أقل مما يرتكبه مواطنون أمريكيون، في حين أن احتمال مقتل أمريكي على يد «إرهابي» هو واحد في ستة ملايين، وهذا احتمال أدنى بكثير من احتمال أن يتعرض أمريكي لصاعقة.
والأمر ذاته ينطبق على التهديدات الخارجية المزعومة. وعلى سبيل المثال، حذر مدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس في شهادة أمام مجلس الشيوخ في مايو/‏ أيار من أن البرنامج النووي لكوريا الشمالية «ضخم جداً ويمكن أن يشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة». وهذا ليس صحيحاً. وبطبيعة الحال، لا أحد يتقبل وجود أسلحة نووية بأيدي ديكتاتوريين، مثل: الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ – أون؛ لكن ليس هناك أي مؤشر على أن بيونج يانج يمكن أن تستخدم القنبلة النووية لأي سبب باستثناء مواجهة هجوم أمريكي أو كوري جنوبي. وقيادة كوريا الشمالية تدرك جيداً أنها إذا استخدمت السلاح النووي، فسوف يكون هناك رد فوري من أجل تدمير النظام.
وبالمثل، الهيستيريا السائدة في أمريكا بشأن «التهديد» الروسي والصيني فهي مضخمة أيضاً. وقد تشكل روسيا تهديداً بالنسبة لدولة صغيرة مجاورة؛ ولكن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أكبر من مثيله الروسي ب 13 مرة. كما أن القوة العسكرية والاقتصادية لأوروبا متفوقة كثيراً على روسيا، التي لم تعد قوة عظمى كما كان الاتحاد السوفييتي.
وفي ما يتعلق بالصين، فهي تتبع سياسة خارجية غير خطرة، بالرغم من تعاظم قوتها. وحتى مطالب الصين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي لا تمثل تهديداً للولايات المتحدة.
وبالرغم من أن كل القوى الخارجية المذكورة أعلاه لا تشكل تهديداً حقيقياً، فإن السياسيين الأمريكيين يحبون تضخيم التهديدات؛ لأن ذلك يجعلهم يبدون حازمين وأقوياء. ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية تضخم هي أيضاً تهديدات خارجية؛ لأن ذلك يجعلها تكسب مزيداً من القراء والمشاهدين. أما الدوائر البيروقراطية في واشنطن فهي تضخم دواعي قلق أمنية ضئيلة؛ لأن ذلك يساعد في اعتماد ميزانيات عسكرية ضخمة، ويحمي المسؤولين من اللوم في حال وقوع اعتداء إرهابي في الداخل أو حدوث زعزعة استقرار في الخارج.
غير أن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة ليست معرضة لتهديدات خارجية تذكر. فنحن لا نزال قوة اقتصادية كبرى، كما أننا معزولون جغرافياً – بفضل محيطين شاسعين – ونملك رادعاً نووياً متفوقاً، إضافة إلى أقوى جيش في العالم.
وفي الحقيقة، التهديد الأكبر لا يأتي من الخارج. التهديد الحقيقي الذي يواجهه الأمريكيون هو حكومتهم ذاتها. فعندما تختار واشنطن التورط في حروب خارجية غير لازمة، فهي تفرض على الأمريكيين أكلافاً بشرية ومالية باهظة.
وكما قال ابراهام لينكولن مرة، فإن «كل جيوش أوروبا وآسيا وإفريقيا مجتمعة لا يمكنها أن تهدد بقاء أمريكا. وإذا كان الدمار مصيرنا، فيجب أن نلوم أنفسنا، ولا أحد غيرنا؛ وحيث إننا أمة من الأحرار، فلا بد أننا سنبقى مدى الزمان أو نموت نتحاراً».

* مدير دراسات السياسة الخارجية في معهد «كاتو» للأبحاث في واشنطن – موقع المعهد «www.cato.org»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى