قضايا ودراسات

اتفاقية نووية غير قابلة للتنفيذ

راميش تاكور
يُعتبَر إصدار الأمم المتحدة مؤخراً مشروع نصّ اتفاق مُلزم يحظر استخدام الأسلحة النووية قانونياً، معلماً بارزاً في مسيرة التعامل مع هذه الأسلحة، على الرغم من موقف الدول المالكة لها.
في 22 مايو/ أيار الماضي أصدرت «ايلين وايت غوميز»، رئيسة مؤتمر الأمم المتحدة الذي يتفاوض حول معاهدةٍ لحظر الأسلحة النووية، مشروع نصّ الاتفاقية على أساس الدورة الأولى للمؤتمر التي عُقدت من 27 إلى 31 مارس/ آذار. وقد استؤنف المؤتمر في 15 يونيو/ حزيران الحالي ويُختتم في 7 يوليو/ تموز.
وقد حضر مؤتمر مارس 132 بلداً، تمثل ثلثيْ أعضاء معاهدة عدم الانتشار النووي. ومن المعروف أن معاهدة عدم الانتشار النووي، هي المرتكز المعياري للقرارات النووية العالمية، من الاستخدامات السلمية إلى السلامة والأمن النوويّيْن، ومنع الانتشار النووي ونزع الأسلحة النووية. وتُلزم المادة 6 الموقعين بإزالة أسلحتهم النووية. وفي رأي استشاري عام 1996، عززت المحكمة العالمية ذلك بالقول، إن القوى النووية ملزمة ليس فقط بمواصلة مفاوضات حسن النية بشأن نزع الأسلحة النووية، بل بالتوصل إلى نتيجة أيضاً.
ومع ذلك، وبعد 21 عاماً من رأي المحكمة العالمية و49 عاماً من توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لا يزال هنالك نحو 15 ألف سلاح نووي في ترسانات تسع دول: هي الصين، فرنسا، الهند، «إسرائيل»، كوريا الشمالية، باكستان، روسيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وتمثل أربع من هذه الدول- هي الهند، «إسرائيل»، كوريا الشمالية وباكستان- خرقاً لحظر عدم انتشار الأسلحة النووية. وعلاوة على ذلك، لا تزال أربع دول – هي الصين، الهند، كوريا الشمالية وباكستان – توسّع مخزوناتها النووية؛ ولا تزال كوريا الشمالية تختبر أسلحة نووية، وتقوم جميع الدول التسع بتحديث وترقية أو توسيع منصات إطلاق الأسلحة النووية.
وقد دعت البلدان غير الحائزة أسلحة نووية، الموقعة على معاهدة عدم الانتشار، القوى النووية مراراً، إلى الوفاء بالتزامات نزع السلاح وفق المعاهدة وإلغاء الأسلحة النووية من خلال معاهدةٍ ملزمة قانونياً. وتُمنح الوعود في مؤتمرات مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي التي تعقد كل خمس سنوات، ثم يجري تجاهلها أو نقضها. ولم تؤدّ الجهود التي تبذلها البلدان غير الحائزة أسلحة نووية، لإخضاع الدول للمساءلة عن الوعود الممنوحة دولياً، إلى أي نتيجة. وفي الوقت ذاته، أصبحت التهديدات النووية أكثر حدةً وعدداً.
وقد أدى التضافر بين الوعي المتنامي لمخاطر الأسلحة النووية، وازدياد نفاذ الصبر، والإحباط إزاء التعويق المتعمد من قِبل الدول المسلحة نووياً، إلى نشوء تحالف قوي بين نشطاء المجتمع المدني والدول متشابهة التفكير، نابع من المبادئ الإنسانية. وتوصّلوا إلى قناعة مشتركة من ثلاثة أجزاء:
– ليس لأي بلد على حِدة، ولا لنظام دولي جماعي القدرة المادية والإدارية، على مواجهة الكوارث الإنسانية التي قد تنجم عن حرب نووية.
– بالتالي، فإن من مصلحة بقاء البشرية، أن لا تُستخدَم الأسلحة النووية مرة أخرى أبداً.
– والضمان الوحيد لعدم استعمالها مرة أخرى أبداً، هو القضاء المحقق على الأسلحة النووية، جرياً على سوابق حظر الأسلحة البيولوجية والكيماوية بموجب اتفاقيات دولية ملزمة قانونياً.
ووفقاً لذلك، وفي ختام مؤتمر العواقب الإنسانية الأخير في فيينا في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2014، قامت 127 دولة من الدول الحاضرة وعددها 168، بتوقيع تعهد إنساني ل«وصم الأسلحة النووية وحظرها، والقضاء عليها»، ويسعى مؤتمر الأمم المتحدة إلى وضع ذلك التعهد موضع التنفيذ.
ولم يحضر أي من الدول التسع المسلحة نووياً، ولا أي دولة تقريباً من دول حلف الناتو والمحيط الهادئ المنضوية تحت المظلة النووية الأمريكية، مؤتمر الأمم المتحدة، واصفةً إياه بأنه غير عملي، وغير فعال، ويُحتمل أن يلحق الضرر بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ورغم بعض النقاط السلبية التي تضمَّنها نص المشروع، فإنه في معظم الجوانب الرئيسية الأخرى، أقوى بكثير من معاهدة عدم الانتشار النووي. وهنالك أربعة من هذه الجوانب، جديرة بالملاحظة بوجه خاص. أولاً، أنه يحظر حيازة الأسلحة النووية على جميع الدول الموقعة، ويتجنب بالتالي الفصل العنصري النووي بين مَن يملكون القنبلة ومَن لا يملكونها. ثانياً، يحظر استخدام الأسلحة النووية. ثالثاً، يحظر إجراء التجارب النووية، ولذلك فهو أكثر انسجاماً مع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ورابعاً، يحظر وضع الأسلحة النووية في دول أخرى، ولذا، ستكون الدول الموقعة مطالبة قانونياً بطلب سحب جميع الرؤوس الحربية المتمركزة على أراضيها. ومن شأن ذلك أن يؤثر في حلفاء الناتو مثل ألمانيا وتركيا.
ويشكل مشروع الاتفاقية الأولي مَعْلماً هامّاً في الحملة الطويلة لحظر هذه الأسلحة غير الإنسانية، والأكثر عشوائية بين ما تمّ ابتداعه من أسلحة. وهو يؤكد أن التوقيع عليه لن يؤثر في حقوق والتزامات الأعضاء بموجب معاهدة عدم الانتشار. ويوفر هذا النص، الذي يستند إلى المبادئ الإنسانية، أساساً جيداً لاستكمال المفاوضات حول معاهدة تحظر بشكل قاطع حيازة الأسلحة النووية وتطويرها وإنتاجها، وتصنيعها وامتلاكها ونقلها، واختبارها، ووضعها خارج الحدود الإقليمية، واستعمالها، كخطوات رئيسية نحو القضاء عليها في نهاية المطاف. وسوف تدخل حيّز التطبيق بعد 90 يوماً من إقرار العضو الأربعين بها.

* مدير مركز عدم انتشار، ونزع الأسلحة النووية في الجامعة الوطنية الأسترالية. موقع: صحيفة «جابان تايمز»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى