قبل الأكل وبعده
د. حسن مدن
حين أراجع الطبيب كل عدة شهور، كما يفترض أن يفعل رجل في مثل عمري، وبعد أن يطمئنني، والحمد لله، أن نتائج الفحوصات الدورية جيدة ومطمئنة، يقول: لو أنك تقلع نهائياً عن أكل أي شيء به ملح، ستكون في غنى عن الحبة الصغيرة المنظمة لضغط الدم التي تأخذها كل صباح، ثم يحذرني من الابتعاد عن أكل كل ما فيه سكر، كي لا يضطر بعد فترة لحملي على تناول حبة تنظم السكر في الجسم.
أجيبه: ولكني بصفة عامة أتحاشى السكر، حتى أني لا أستسيغ شرب الشاي والقهوة مثلاً بالسكر، وهذا أمر اعتدت عليه منذ سنوات الشباب، فيجيبني: ولكنك تأكل الخبز والأرز وما إليهما، وعصارة كل هذا تتحول إلى سكر في الجسم.
أنظر إليه حائراً لأقول: ولكني يا دكتور أُفضِّل أن أتناول حبوباً منظمة لكل هذا إذا اقتضى الأمر كي لا ألزم نفسي بقائمة من الممنوعات، وأفرض على نفسي حرمانات أنا في غنى عنها، فحتى لو كان بوسعي التحكم في طبيعة أكلي وأنا مستقر في بيتي، فكيف سأفعل ذلك وأنا مسافر.
يبتسم الدكتور وتكاد عيناه تقولان: معك حق. فلست مجبراً على حرمان نفسك من أطايب الأكل، طالما ظلّ الأمر تحت السيطرة، وما المشكلة في أن تستعين بحبة صغيرة، أو حتى أكثر، كي تنظم عمل الجسم.
وتحضرني في هذا السياق حكاية طريفة مع أحد الأساتذة العرب الكبار في مجال الثقافة، تصادف أن جمعتنا ندوة في إحدى العواصم العربية، ورغم تقدم سنه إلا أنه يتمتع بصحة ذهنية ممتازة أدامها الله عليه، ولكني لاحظت أنه بعد كل وجبة نتناولها في مطعم الفندق يخرج كيساً من الأدوية، يتناولها واحدة بعد الأخرى.
قلت له مازحاً: كثيرة أدويتك يا دكتور، فأجاب ساخراً: «خذ بالك».. هذه فقط بعد الأكل، هناك سلة أدوية أخرى عليّ تناولها على الريق، قبل أن آكل أي شيء.
ثم يضيف أن صديقاً له، من الأطباء، قال له بين الجد والهزل: دعك من هذا التقسيم الاعتباطي بين: قبل الأكل وبعد الأكل. ما عليك إلا أن تضع كل هذه الأدوية في راحة يدك وتدفع بها إلى فمك كاملة، وتشرب خلفها قليلاً من الماء لدفعها نحو المعدة، فلن يتغير شيء من فعاليتها، سواء تناولتها قبل الأكل أو بعده.
إن صدف وكان بين من يقرأون هذا الكلام، الآن، أطباء، فإني أتوقع احتجاجهم على «مزاعم» هذا الطبيب، فلديهم، كما أفترض، الكثير ليقولوه، حول التقسيم الذي لا بد منه لوقت تناول الأدوية.
دامت صحتكم جميعاً مع الأدوية المنظمة، والأفضل بدونه
dr.h.madan@hotmail.com