شرعية مقاطعة قطر من منظور القانون الدولي
أحمد بن نصر الزعابي
ما مدى صحة الأسانيد والحجج القانونية التي ساقتها الدول المقاطعة والداعية لمكافحة الإرهاب ضد دولة قطر من الناحية القانونية ومدى مواءمتها مع القوانين والأنظمة الدولية؟
لتبيان ذلك لا بد من تعريف ما هو القانون الدولي وما مصادره حتى يسهل على القارئ الكريم تكوين صورة واضحة، يستطيع من خلالها أن يميز هل ما قامت به الدول المقاطعة ضد قطر هو إجراء قانوني أو إجراء تعسفي.
بداية يعرف القانون الدولي على أنه هو «مجموعة من القواعد التي تقوم بتنظيم العلاقات بين الدول ذات السيادة»، ويقوم القانون الدولي على أربعة أعمدة أساسية، وهي بمثابة مصادر وأحكام القانون الدولي نبينها على النحو الآتي:
1 الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
2 – العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال (العرف الدولي).
3 – مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
4 – أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم.
وهذه المصادر والأحكام منصوص عليها في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الذي يعتبر جزءاً متمماً لميثاق الأمم المتحدة، وعليه فإن العلاقات التي تبنى بين الدول لا بد أن تكون متسقةً مع القانون الدولي. نأتي بعد ذلك إلى ميثاق الأمم المتحدة وهو بمثابة الدستور الدولي الذي يُبين المبادئ والأُسس التي تحكم علاقات الدول فيما بينها، ومن أهم المبادئ التي تحكم هذا الميثاق هو مبدأ السيادة، وهذا المبدأ ليس بجديد في العلاقات الدولية، حيث ثبت هذا المبدأ في المعاهدات الدولية والعلاقات الدولية منذ معاهدة وستفاليا عام 1648 وتكرر ذكره في عهد عصبة الأمم المتحدة عام 1919، ومن ثم في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، حيث نصّت الفقرة الأولى من المادة الثانية على الآتي: «تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها»، وهذا ما أكدت عليه أيضاً محكمة العدل الدولية ضمن حكمها في قضية «كورفو» الشهيرة عام 1949 بأن «ولاية الدول في حدود إقليمها ولاية انفرادية ومطلقة، وأن احترام السيادة الإقليمية بين الدول المستقلة يعد أساساً جوهرياً من أسس العلاقات الدولية». وتعرف الحدود والأقاليم السياسية للدول هو كل ما يدخل ضمن نطاق سيادة الدولة على الأراضي والمسطحات المائية والبحرية والغلاف الجوي وفقاً للأعراف والقانون الدولي، وتملك الدولة مطلق الحرية في التصرف في حدودها السياسية بما يضمن الحفاظ على أمنها واستقرارها وسيادتها.
عوداً على بدء، فإن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب استندت في إعلان المقاطعة الدبلوماسية على مبدأ مهم وهو مبدأ الحق السيادي، وهذا مبدأ أساسي وجوهري في ميثاق الأمم المتحدة، كما أسلفنا، وأيضاً منصوص عليه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 المادة 45، وبالتالي فإن قطع العلاقات الدبلوماسية يختلف تماماً عن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو سحب السفراء أو تجميد العلاقات الدبلوماسية، حيث تعتبر تلك الإجراءات الأخيرة بمثابة موقف سياسي أو احتجاج على موقف معين، أما قطع العلاقات الدبلوماسية فهو إجراء من الإجراءات الصارمة، ويعتبر أعلى درجات القطيعة والتي عادة ما تلجأ إليه الدول في حال كانت تلك الدولة التي تمت مقاطعتها تهدد أمنها واستقرارها الداخلي والإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك فإن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية لا يخضع لشروط محددة أو شكل معين لاتخاذه، ويعود ذلك إلى أن الدول تتمتع بمطلق الحرية والسيادة عند اتخاذها لمثل هذا القرار، سواء كان بشكل فردي أو بشكل جماعي ويعتبر من صميم السلطان الداخلي لكل دولة، فالقانون الدولي العام لا يلزم أي دولة بأن تستمر في علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة أخرى، فلكل دولة الحق في أن تضع حداً لهذه العلاقات في أي وقت تراه مناسباً وبإرادتها المنفردة حتى لو لم تقم تلك الدولة المستهدفة بأي اعتداء أو خرق لقاعدة من قواعد القانون الدولي، فكيف لو كانت تلك الدولة التي تمت مقاطعتها تقوم بأعمال وممارسات من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين وتنتهك مبادئ الأمم المتحدة، من خلال دعمها وتمويلها لجماعات وتنظيمات إرهابية تُزعزع أمن واستقرار المنطقة، كما هو الحال مع دولة قطر.
وعليه نستخلص مما ذكر أعلاه بأن الإجراءات التي قامت بها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب والمقاطعة لدولة قطر قد صادف صحيح الواقع والقانون الدولي، وعليه فإن القول بغير ذلك هو فقط للاستهلاك الإعلامي وتضليل الرأي العام والهروب من الحقيقة والواقع.
دكتوراه في القانون الدولي