هكذا تم تصنيع الرئيس 2016
تأليف: روجر ستون
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
ليس بجديد أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تشهد صراعات بين مرشحي الحزب الجمهوري والديمقراطي، إلا أن صراع ترامب مع منافسيه كان مختلفاً من ناحية مواجهتهم بالنبش في تاريخهم وأدائهم السياسي، ومن جهة مخاطبته لأنصاره، بالاعتماد على خطاب الكراهية. هناك الكثير من التفاصيل التي لا نعلمها عن حملته، لكن أحد المقربين من ترامب، وهو روجر ستون، يحاول أن يبين للقارئ الأسباب التي دفعت ترامب إلى الرئاسة، وماذا يمكن أن يحقق لأمريكا، رغم أن سياساته تشهد رفضاً صارخاً في أرجاء العالم.
يأتي الكاتب روجر ستون، المؤلف الذي تعد كتبه من بين الأكثر مبيعاً على قائمة «نيويورك تايمز»، والذي منذ فترة طويلة يعد مستشاراً سياسياً وصديقاً لدونالد ترامب، بأول دراسة عميقة عن كيفية استفادة حملة ترامب الانتخابية من المزاج الوطني العام لتحقيق انتصار مذهل ومدوٍّ لم يتوقعه أحد، وصدم ليس الأمريكيين المعارضين لترامب وسياساته الشعبوية والعنصرية فقط، بل العديد من شعوب العالم التي خرجت في تظاهرات قوية ضده قبل تسلّمه الرئاسة الأمريكية وبعدها.
ويبني عمله هذا على طريقة كتاب المؤلف ثيودور وايت «صناعة الرئيس 1960» عند انتخابات جون كيندي وما يتعلق بحملاته الانتخابية. ويحتوي الكتاب على ثلاثة أقسام رئيسية تتفرع إلى فصول هي: أولاً، كيف خطف دونالد ترامب الترشيح الرئاسي الجمهوري، ويضم ثلاثة فصول هي: ترامب والنخبة، الجولة الأولى: جدل مرشحي الحزب الجمهوري، الجولة الثانية: الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري تختار ترامب. ثانياً: كيف سرقت هيلاري كلينتون الترشيح الرئاسي الجمهوري وينقسم إلى: بيرني ساندرز، الاشتراكي القديم يتحدى هيلاري كلينتون الرئيسة المفترضة، الجولة الأولى: هيلاري تعلن النصر على ساندرز، الجولة الثانية: هيلاري تتحول إلى مهاجمة ترامب. ثالثاً: كيف فاز ترامب بالبيت الأبيض، وينقسم إلى: اتفاقيات الترشيح الوطنية واختيارات نواب الرئيس، مناقشات نواب الرئيس والرئيس، المناقشات الختامية، والخاتمة: ترامب يفوز.
حملة مختلفة
يرى الكاتب أنه في الساعات الأولى من صباح 9 نوفمبر 2016، وصلت واحدة من السباقات الرئاسية المثيرة للجدل، والاستقطابية، إلى نهاية مفاجئة وغير متوقعة عندما دعت المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون دونالد ترامب للتنازل لها، إلا أن دونالد ترامب حقق أكبر مفاجأة في التاريخ السياسي الأمريكي على الرغم من سيل الذم والقدح ضده في وسائل الإعلام. ودفع «الأغلبية الصامتة» في الانتخابات إلى إعطاء صوتهم له، وبالتالي تسليمه الرئاسة.
ويشير إلى أنه منذ البداية، كانت حملة ترامب على عكس أي حملة انتخابية وطنية، حيث اتسمت بأنها قتالية، مستقلة، غير خائفة، موضحاً أن ترشيح ترامب، بشكل أو بآخر، كان بسبب القيادة الفاشلة لكلا الحزبين الرئيسيين اللذين جلبا الولايات المتحدة إلى حافة الانهيار المالي، فضلاً عن تعريض الأمن القومي الأمريكي إلى التهديد والخطر بسبب سياساتهما العدائية.
يحدّد روجر ستون في عمله هذا كيف أن دونالد ترامب أدار بمهارة ظهوره كمرشح يقف في وجه فتح الحدود، وكذلك من المؤيدين لتعزيز السيادة الأمريكية، وكيف أنه كان يستخدم صفقات التجارة العولمية مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا» أسلوباً للفوز بأكثر من ثلاثة من أصل كل عشرة من أنصار بيرني ساندرز.
ويحدد ستون انتصار ترامب في ثلاث مناظرات، حيث خفض فيها بمهارة مستويات التوقع، لكنه وجه انتقادات شديدة لمنافسته هيلاري كلينتون من خلال قضايا تتعلق بالفساد لمؤسسة كلينتون، وسوء استخدام البريد الإلكتروني الحكومي، وعدم كفاءتها أثناء توليها حقيبة وزارة الخارجية الأمريكية. كما يتطرق في تحليلاته إلى تسريبات جوليان أسانج، ويكيليكس، وشخصيات مثل رئيس حملة كلينتون جون بودستا، وهوما عابدين، وأنتوني وينر، كارلوس دينجر، دوغ باند، جيفري ابستين، والجهود المبذولة لإخفاء عيوب هيلاري كلينتون ومشاكلها الصحية.
ويتوقف عند مسألة أن ترامب كان في تعاون وثيق مع رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين أو مسألة أن رسائل البريد الإلكتروني الصادرة عن ويكيليكس جاءت من الروس.
يوضح صاحب الكتاب الذي يعد من المخضرمين السياسيين في الولايات المتحدة، وشهد عشر حملات رئاسية جمهورية من ريتشارد نيكسون إلى رونالد ريغان إلى دونالد ترامب، كيفية إبعاد انتخاب ترامب حرباً وشيكة مؤكدة مع روسيا بشأن سوريا، ورفض سياسات المحافظين الجدد من إدارتي أوباما / كلينتون.
ويكشف ستون كيف أن ترامب التقط ببراعة نقاط الضعف لدى هيلاري كلينتون، ولا سيما ما يتعلق بسمعتها، وكبحها السياسات الرامية إلى التغيير، في الوقت الي يتلهف فيه الأمريكيون إلى تغيير سياسات بلدهم، والتركيز أكثر على أمريكا.
لماذا فاز ترامب؟
تحت هذا العنوان يوضح الكاتب ستون أنه منذ بداية السباق أساءت معظم استطلاعات الرأي في كل من الحزب الديمقراطي والإعلام السائد بالكامل فهم مسألة «من سيصوت؟» والتقليل من شأنها. فلم يكن من الواقعي أبداً التفكير بأن إقبال الناخبين على التصويت لهيلاري كلينتون سيكون تماماً مثل الإقبال الذي شهده التصويت للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أثناء ترشحه. وهناك العديد من الأسباب التي توضح أن أداء هيلاري كلينتون لم يكن بالشكل الجيد بين الأمريكيين الأفارقة كما كان أداء أوباما. فدعم هيلاري كان خفيفاً لهم، والغالبية رأوا أنها «غير صادقة»، و«غير جديرة بالثقة»، فضلاً عن أن آراء الديمقراطيين التقدميين وأنصار ساندرز بشأن التجارة والحرب كانت أقرب إلى آراء ترامب أكثر مما هي لآراء هيلاري.
ويقول: «إن الجواب على سؤال: لماذا كانت صناديق الاقتراع خاطئة للغاية؟ بسيط. فالحقيقة هي أن هيلاري كلينتون كانت مرشحة رئاسية غير جذابة، إذ إنها فعلت القليل جداً لإلهام الناخبين الديمقراطيين، خاصة إذا ما قارناها مع باراك أوباما، حيث كان كمرشح يتمتع بكاريزما كبيرة تمكن من ترجمة فكرة «أول رئيس أسود» في الأصوات الانتخابية. وصحيح أن سياسة الهوية عملت بشكل جيد لأوباما في حملته، إلا أنها لم تكن فقط مواضيع حملته الرئاسية، فقد كان شعار «الأمل والتغيير» في 2008 يتردد صداه بين الناخبين في أنحاء الولايات المتحدة، الذين كانوا يشعرون على ما يبدو بالإنهاك من حروب بلادهم التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط. كما أن الانكماش الاقتصادي في نهاية فترة جورج بوش الابن أضاف طاقة إضافية لجاذبية أوباما. كما أن عمل هيلاري خلال عقود في تجربة الخدمة العامة ألحق ضرراً بها، فلم تستطع أن تبعد عن نفسها تاريخها الفضائحي».
ويضيف أن التوقعات الإعلامية كانت أن النتائج الانتخابية لصالح هيلاري كلينتون ستكون كما كانت لأوباما في 2008 و2012، إلا أن النتائج كانت مخيبة. ويوضح أن هيلاري بدت أنها كبيرة في السن ومريضة، وليس لديها أفكار جديدة تنفع الأمريكيين بشكل فعلي، قائلاً إن الأسباب التي دفعت إلى خسارة هيلاري كلينتون أمام باراك أوباما في 2008، هي نفسها فيما يتعلق بخسارتها أمام ترامب في 2016.
رئاسة ترامب
يشير الكاتب إلى أن ترامب كانت لديه فرصة حقيقية ليكون رئيساً عظيماً للولايات المتحدة. وهو ليس مديناً بالفضل لأحد سوى الشعب الأمريكي. كما أن النخب المالية والسياسية تحاشت حملته، وهذا أعطاه مدى كبيراً لإجراء الإصلاحات التي ينشدها الشعب الأمريكي، إلا أنه بما يطرح يجد الرفض من أولئك الذين أعطوا أصواتهم له حسبما يرى المراقبون، ونجد أن الكاتب يبالغ في هذا الجانب.
ويتحدث الكاتب عن المدى الذي يمكن أن يذهب فيه ترامب في وعوده فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، والإصلاح الاقتصادي، وتأمين حدود بلاده مع المكسيك، وتجديد قوانين الهجرة، وإعادة بناء البنية التحتية، وإعادة التفاوض في مسائل الصفقات التجارية، إلا أن لهجته تفصح أنه غير مقتنع بهذا النهج الذي اتبعه ترامب، وتبين هذا الشيء من خلال الإشكاليات السياسية التي عملها خلال الفترة القليلة الماضية، وصراعه مع القضاء فيما يتعلق بحظر سفر مواطني سبع دول، والحدود مع المكسيك، فضلاً عن التظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي خرجت ضده في أنحاء العالم، وبالتالي كل هذا يضع ترامب وإدارته في موقف ضعيف، وقد سمعنا العديد من النداءات من الناخبين الذين منحوه أصواتهم بأن يعدل في سياساته وبعض قراراته كونها خرجت من سياق المنطق السياسي.
ويتبين لنا أن الكاتب لا يستطيع أن يتخلص في تحليلاته من مسألة العلاقة الشخصية مع ترامب وعائلته، حيث تعرف إليه في 1979، فنجده في تحليله يقترب من المدح بعض الأحيان. ويتحدث كذلك عن ابنته إيفانكا التي يصفها بأنها سيدة أعمال ناجحة، وأم رؤوم، وزوجة رزينة، وكذلك يتحدث عن أناقتها.
أمة من الغاضبين
يبدو الكاتب في بعض الفقرات يقدم النصيحة لترامب قائلاً: «على الرئيس ترامب أن يتذكر من هم أنصاره، إنهم أولئك «الأمريكيون المنسيون» الذين يرزحون تحت الضرائب العالية، والذين يتعاملون بحذر مع «وول ستريت»، والذين لديهم حساسية حقيقة من«غولدمن ساكس»، وهم المتعبون من نقص فرص العمل، ومقتنعون أن النظام بأكمله يسير ضدهم».
ويضيف أن هؤلاء الناخبين سيستمرون في دعمهم لترامب إذا ما قام بتنفيذ أجندته الإصلاحية، وفي الوقت الذين يسير ضد آمالهم الاقتصادية، سيتخلون عن دعمهم بدون شك، ويوضح أن ترامب رغم مهاراته وبعد نظره يجد هو نفسه أن الحظ ابتسم له في الانتخابات الأمريكية.
كما يتوقف عند الإعلام الأمريكي الذي يوضح فشله على العديد من الجهات، لكنه يجد من جهة أن ترامب تجاوز الأسلوب التقليدي في التواصل مع الشعب الأمريكي، قائلاً عنه في خاتمة الكتاب: «ترامب يحبّ الفوز ويكره الخسارة. إنه عنيد وصاحب عزيمة، ويتمتع بذكاء لا يصدق، واستخدامه المتقن لمواقع التواصل الاجتماعي قد قلب السياسية الأمريكية.
ترامب أدرك أنه يستطيع أن يتحدث بشكل مباشر إلى الناخبين من دون فلترة الإعلام القديم. ربما إنه أملنا الأخير في عودتنا لنكون أمة من الفائزين». إلا أن آمال الكاتب في عودة بلاده إلى أمة من الفائزين تتلاشى، فالواقع السياسي الذي فرضته إدارة ترامب يشير إلى أن الولايات المتحدة تتحول إلى أمة من الغاضبين.
نبذة عن المؤلف:
روجر ستون من مواليد في نورووك، كونيتيكت 27 أغسطس 1952، هو مستشار سياسي أمريكي، له دور كبير في جماعات الضغط، ويتسم بمعرفته في وضع الاستراتيجيات، ومحاربته معارضي مرشحي الحزب الجمهوري خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلى درجة أن وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه «مقاتل داخلي شهير»، وخلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2004، وصفته «سي بي اس نيوز» بأنه «استراتيجي جمهوري مخضرم»، ويعرف عنه بأنه يعزز نظريات المؤامرة. وأهم ما يميزه مؤخراً أنه عمل مستشاراً لحملة الانتخابات الرئاسية 2016 لدونالد ترامب. وغادر الحملة يوم 8 أغسطس، عام 2015، إلا أنه بقي مقرباً لترامب. وخلال الدورة الانتخابية عام 2016، تم حظر ستون من الظهور على عدد من الشبكات التلفزيونية بسبب منشوراته الهجومية على «تويتر» التي تحط من شأن الشخصيات التلفزيونية في الإعلام الأمريكي. له العديد من المؤلفات في السياسة الأمريكية الداخلية.