جديد الكتب

«ميتران بانجو».. روميو وجولييت القرن العشرين

إعداد: محمد هاني عطوي

الخميس الماضي حلت الذكرى المئوية لميلاد الرئيس الفرنسي الراحل، فرانسوا ميتران، والتي توافق 13 أكتوبر/تشرن الأول، وفي هذه المناسبة قررت عشيقته آن بانجو نشر مراسلاتها مع الرئيس السابق. والحقيقة أن بانجو تقيم حالياً خارج فرنسا، لأنها يجب أن تكون بعيدة عن حملات الترويج للكتاب. وقد تحدثت مرة واحدة فقط عنه مع مراسل لل»بي بي سي» في العام 2015.
1218 رسالة بالتحديد، هو عدد تلك الرسائل العاطفية الملتهبة التي كتبها الرئيس السابق فرانسوا ميتران، وأرسلها إلى آن بانجو، عشيقته وزوجة الظل. هذه الرسائل التي تكشف عنها آن والتي تعتبر كنزاً أدبياً بالفعل، ستنشرها بانجو في كتاب بعنوان: رسائل إلى آن (1962-1995)، عن دار غاليمار في باريس التي تنشر في الوقت نفسه كتاباً بعنوان «يوميات آن» 1964-1970، «وهو عبارة عن كتابات خاصة لفرانسوا ميتران تتضمن فناً حقيقياً مملوءاً بالرسومات والفن التصويري بعنوان: «آن التي أحبها».
والحقيقة أن الأمر استغرق عاماً لكتابة وتحرير مئات الرسائل تلك، لكن الأمر استغرق منها فترة أطول كي تجرؤ، وتنشر هذه الرسائل في كتاب من دون المخاطرة بجرح، أو إلحاق الضرر بأحد، لأن دانييل ميتران، زوجة الرئيس الراحل ميتران توفيت قبل 5 سنوات.
هذا الكتاب هو قصة حب عاطفية جياشة، ملتهبة، أخفيت بالكاد، بين آن بانجو وميتران حتى وفاته، لكنها انتهت بظهور مازارين، الفتاة المخفية لميتران. ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1994، نشرت مجلة «باري ماتش» صوراً لميتران ومازارين، لتكشف الحقيقة للعلن. لكننا أيضاً نكتشف في هذا الكتاب رجلاً آخر مولّهاً بالحب، وشاعراً، رجلاً أخفت التزاماته السياسية بالكاد أسفه لعدم تمكنه من عيش «فرصة العمر». حياة ثانية، وعائلة ثانية، تكتشفها فرنسا في 11 يناير/كانون الثاني 1996، في جنازة ميتران في مدينة Jarnac في مقاطعة (شارونت).
بدأت قصة الحب الرومانسية بين ميتران وآن، في بداية الستينات 1960، حين كان زعيماً لليسار، وعضواً في مجلس الشيوخ، ووزيراً مرات عدة في ظل الجمهورية الرابعة، ومتزوجاً منذ العام 1944 من دانييل ميتران، وله منها ولدان جان-كريستوف وجيلبر. وكانت آن ابنة صديق لميتران هو بيير بانجو، وكان يعمل مديراً لأحد المصانع في مدينة أوفيرني. وكان يقضي مصيفه في منتجع يسمى اللاند.
استمرت علاقة الحب تلك إلى ما بعد انتخابه لرئاسة الجمهورية في مايو/أيار 1981. وكان الزوجان انجبا ابنة هي مازارين التي ولدت في العام 1974.
الرسالة الأولى في الكتاب مؤرخة في 19 أكتوبر العام 1962، أي حين كان عمر ميتران 46 عاماً، وعمر آن 19عاماً.
هذه الرسائل هي في الواقع نظرة حميمة جداً لذلك الحب السري الذي جمع فرانسوا ميتران وعشيقته، وكذلك زوجته في السر آن بانجو، لأنها كتابات رومانسية ملتهبة، وتفيض بالخيال. فضلاً عن ذلك تتحدث آن عن تلك العلاقة السرية التي استمرت 32 عاماً مع فرانسوا ميتران.
وهذه بعض المقتطفات التي تظهر الرئيس ميتران في صورة جديدة ورومانسية، كما تظهر قوة الحب التي جمعت الحبيبين، أو العاشقين، حيث يكتب فرانسوا ميتران: «أفكر فيك بحنان، وليس من الممكن في هذه اللحظة وأنت تقرأين هذه الكلمات أن يخفي قلبك هذا الحنان. إنها موجة عارمة من الحب يا حبيبتي تخرج من الأعماق، لتحملنا معاً […]. سوف أحبك حتى نهاية نفسي،. ويقول في موطن آخر: «أنا لست وحيداً في سباقي. فأنا معك في تواصل روحي، كما أنني أتواصل مع الآخرين وأتبادل معهم فرحهم وحزنهم».
ومن هذه الكتابات الفياضة بالحب وربما بالحسية: «كم أنا مشتاق لوجودك، ولسماع صوتك الذي يرمي بنا على حافة عالم آخر».
وبقراءة هذه المراسلات، نجد أنفسنا متفاجئين بالفعل بالقيمة الأدبية، والأسلوب الأنيق للرئيس -الكاتب. وبعض الرسائل التي أرسلها بمناسبة عيد الفصح في العام 1964 تنبض بقصائد الحب.. «هذا الكتاب الصغير سيكون بمثابة الرسول الذي سوف يذكرك ببضع الساعات الجميلة التي قضيناها سويا في هذا الصيف الرائع». في ذلك الوقت، كانت آن في سن أل19 وبموجب القانون، فهي لا تزال قاصراً. التقى فرانسوا وآن في ذلك الصيف في منتجع Hossegor(لاند).
ويبدو أن الرسائل الأولى لم تكن عاطفية جياشة، ولكن مفعمة بالحنان لأن فرانسوا ميتران كان لا يزال يستخدم تعبير «أنت» بصيغة الجمع، وهو باللغة الفرنسية يدل على الاحترام وعدم رفع الكلفة. ولكن يبدو أن الأمر تغير، ورفعت الكلفة في التعبير ليتحول إلى «أنت» بصيغة المفرد بعد رحلة جمعتهما إلى أمستردام في مايو/أيار 1964. ومنذ هذه اللحظة نجد أن الرسائل بدت أكثر حميمية، وبدأ الحديث عن تذكر لحظات الحب ويقول لها: أحب روحك التي تملؤني بالفرح. وبعد ست سنوات أي في سبتمبر/أيلول 1970، كتب ميتران ل«آن» كلمات نستشف منها الغيرة حيث يقول: «إني لأتعذب جداً عندما أتخيل أنك تنتمين لشخص آخر».
وفي ديسمبر/كانون الأول 1965، تقدم فرانسوا ميتران لأول مرة إلى الانتخابات الرئاسية، لكنه كان لا يزال يجد الوقت ليكتب لآن: «حبيبتي آن. يوم الخميس الماضي كانت الجولة الانتخابية الثانية، وذلك الخميس يشتكي من غيابه عن موعد معك. أنا حزين، حزين (…) ويوم، من دونك لهو غبي جداً».
في عام 1974، أعلنت «آن» لفرنسوا ميتران أنها حامل، وفي 7 ديسمبر، أي قبل عشرة أيام من ولادة ابنتهما، أرسل ميتران قائمة ل»آن» بأسماء إناث يمكن أن تختار منها اسماً، ورأت أن مازارين يتصدر القائمة، كما أرسل لها قائمة بأسماء الذكور وقال: إذا كان لمساوئ الصدف صبياً. وفي يناير/كانون الثاني عام 1975، كتب رسالة إلى «عزيزتي مازارين». «أكتب لأول مرة هذا الاسم. وأنا أشعر بالوجل والمهابة أمام هذه الشخصية الجديدة على الأرض وهي أنت…».
ومنذ العام 1981 عندما تم انتخاب فرانسوا ميتران رئيساً للجمهورية، أصبحت الرسائل الموجهة إلى آن أكثر ندرة. وفي واحدة من عدد قليل من الرسائل التي نشرتها «آن»، نجد أنه في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1981 يقول الرئيس ميتران ل»آن» إنه مصاب بالسرطان، وإن التشخيص يشير إلى فترة حياة تتراوح «بين ثلاثة أشهر وسنتين».
ولا شك في أن الرسالة الأكثر جيشاناً بالعاطفة هي الأخيرة، حيث يقول فيها ميتران المريض جداً الذي كان يمضي فترة نقاهة في جزيرة الحسناء (بل إيل): «سعادتي هي أن أفكر فيك، وأحبك»، وكانت كلماته الأخيرة: «لقد كنتِ الحظ الجميل في حياتي. فكيف لا أحبك أكثر؟».
وتقول آن بانجو: لم أعرف أبداً أي شخص آخر لا قبله ولا بعده. والإعجاب بمن تحب هي السعادة العظيمة بحد ذاتها… وأن تعجب به كثيراً ولا تشعر بالملل معه، وتشعر بأنه منطقة الجذب التي تعلقك به، ذلك هو التجديد الدائم في الحياة.
وتضيف آن: لقد قضينا سوياً 32 عاماً، وكانت حياتنا مفعمة بالحماس والحب.. والسعادة، وكذلك بالتعاسة! لقد كتب لي فرانسوا عبارة رائعة ما زلت أفكر فيها: «لا يوجد حب خالد إلا ويكون متكدراً. فحذار من الحب المسالم الذي يسير فيه كل شيء على ما يرام. وعندما يمر الحب بصعوبات، وعندما يكون صعباً في كل الأوقات.. حينها لا تنطفئ جذوة هذا الحب».

زر الذهاب إلى الأعلى