قضايا ودراسات

«عملية الأقصى» بين الشجب والإشادة

شبان أم الفحم الثلاثة ذكرونا بأن الشعب الفلسطيني لا تقسمه الخطوط الخضراء أو الهويات الزرقاء، وأن فلسطين كلها والاحتلال «الإسرائيلي» من أوله لآخره قضية واحدة لا تتجزأ أيضاً .
«عملية الأقصى» الفدائية، الجريئة والنوعية، التي نفذها ثلاثة شبان من عائلة واحدة، جاؤوا طلباً للشهادة من بلدة أم الفحم يحملون «هوياتهم الزرقاء»، تمثل نقطة متقدمة على الرسم البياني للهبة الشعبية التي وضعت أول نقاطها في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015 أو ما أطلق عليها «انتفاضة القدس». هي جريئة لأن الوصول إلى القدس من أم الفحم بالسلاح يتطلب تجاوز كل الحواجز والإجراءات الأمنية «الإسرائيلية»، وهي كثيرة وليست عادية. وهي نوعية لأنها تخطت أكثر من «مفهوم» جامد ومغرض، في الوقت نفسه يجري العمل دائماً للتأكيد عليه مثل الفصل بين فلسطينيي الداخل والكل الفلسطيني، وبين القدس والمسجد الأقصى، وبين الدوافع الوطنية والدوافع الدينية، وبين الاحتلال ومقاومته، وباختصار بين «الواقع وحقائقه».
لقد كان طبيعياً أن يدين العملية بعض القابلين بعملية الفصل بين «الواقع وحقائقه»، وأن يشكك بعضهم ب«صوابية» العملية، لكن المواقف واضحة ومفهومة. إن الاحتلال وممارساته القمعية المذلة، وتغوله الاستيطاني على الأرض الفلسطينية، وتهويده المتسارع للقدس بما في ذلك عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى وأهدافه منها التي تنتهي عند هدمه في الوقت المناسب، كل ذلك يجعل مقاومته بالسلاح على وجه التحديد هي الحل الوحيد، إن لم يكن لمنع ووقف تلك الممارسات والإجراءات بشكل فوري فمن أجل عرقلتها وفضحها أمام الرأي العام العالمي الذي لن ينتبه لها من دون أن يجبرهم أصحاب القضية على رؤيتها.
شبان أم الفحم الثلاثة ذكرونا دون أن يقصدوا بالشهيد مهند العقبي الذي جاء إلى القدس من بئر السبع، وليؤكدوا جميعاً أن الشعب الفلسطيني لا تقسمه الخطوط الخضراء أو الهويات الزرقاء، وأن فلسطين كلها والاحتلال «الإسرائيلي» من أوله لآخره قضية واحدة لا تتجزأ أيضا. ومع الاعتراف بخصوصية المسجد الأقصى، إلا أنه جزء لا يتجزأ من القدس التي هي جزء من تراب فلسطين وقضية اغتصابها واحتلالها في آن. وعندما يكون الدين مكوناً وطنياً، فإنه لا يجعل القضية دينية بأي حال من الأحوال، مثلما أن «رجال الدين» إذا تحولوا إلى عملاء للمستعمر والمحتل لا تنسب عمالتهم للدين أو يحمل وزرهم. من هنا فإن من «اعترض» على العملية لأنه لا يجوز أن يكون المسجد ميداناً لعمل مسلح، هم كرروا مزاعم بنيامين نتنياهو وجلعاد إردان وبقية المستوطنين الصهاينة. فمنذ متى احترم الصهاينة، جنوداً وشرطة ووزراء وأعضاء «كنيست»، قدسية المسجد أو المكان؟!
هذا البعض الذي زعم أن العملية «تعطي ذريعة» لل«إسرائيليين» ليقدموا على وضع المسجد تحت سيادتهم يكذبون، لأنهم يعرفون أن القدس والمسجد الأقصى وفلسطين كلها تحت السيادة «الإسرائيلية»، وهو ما صرح به وزير الأمن الداخلي إردان عندما سخر من مطالبة الأردن بفتح المسجد للمصلين، وعندما قال: «المسجد الأقصى تحت السيادة «الإسرائيلية»، ولا أهمية للموقف الأردني»! ولم تكن حاجة لتصريح إردان لمعرفة الأمر على حقيقته، فالجميع يعلمون أن سلطات الاحتلال تفعل ما تشاء وقتما تشاء بعدما ضمنت الموقف العربي المتخاذل والمتواطئ، وهي تضمن موقف الولايات المتحدة المنحاز لسياساتها والحامي لإجراءاتها وتوسعيتها واستيطانها، فضلاً عن موقف السلطة الفلسطينية و«تنسيقها الأمني» الذي يساعد كثيراً سلطات الاحتلال ويبرر لكل من يريد أن يتغاضى أو ينحاز للسياسات «الإسرائيلية». وبذريعة ومن دون ذريعة، تنفذ سلطات الاحتلال ما تشاء دون تردد أو وجل. لذلك لا يتلطى أحد وراء مثل هذه المزاعم لإدانة العملية أو التشكيك بصوابيتها! لقد أدان رئيس السلطة الفلسطينية العملية، وجاء في الأخبار أنه سيذهب مع وفد للتعزية بالقتيلين من شرطة الاحتلال، وهي ليست المرة الأولى التي يدين فيها عملية فدائية أو يندد بكل المقاومة المسلحة التي ينفذها وطنيون هدفهم مقاومة الاحتلال الذي يقول إنه يريد إنهاءه!!
أما الفصائل الفلسطينية التي «رحبت وأشادت» بالعملية، وهددت، فإنها لم تعد تقنع أحداً، ولم يعد أحد ينتظر منها أكثر من «الشجب أو الإشادة»! والأسئلة التي يطرحها المواطن الفلسطيني عليها اليوم كثيرة، منها على سبيل المثال: ماذا لديكم غير «الترحيب والإشادة»؟! هل ستعيدون النظر في مواقفكم مثلاً؟ ماذا ستفعلون لحماية المسجد الأقصى؟ ماذا ستفعلون لعرب الداخل الذين سيتعرضون لمزيد من الإجراءات القمعية؟ هل ستفكرون في «المصالحة»؟ لا أحد يقلل من أهمية فتح المعبر، ولا من حل مشكلة الرواتب، ولكن ماذا عن المقاومة؟!
«عملية الجبارين» في المسجد الأقصى، لم تكن لتحرير القدس أو المسجد الأقصى، ولكن لتوصيل رسالة لكل من يعنيهم الأمر، سواء كانوا «إسرائيليين» وسلطات احتلال وإدارة أمريكية، وسلطة فلسطينية وسلطات عربية، ورأياً عاماً عالمياً. رسالة مفادها: الشعب الفلسطيني واحد، وهو لن يستسلم، والاشتباك مستمر..

عوني صادق
awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى