السلوك الأمريكي في العقوبات على إيران
د. خليل حسين
ثمة صعوبة لافتة في سبر أغوار مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفهمها، ومنها سياساته تجاه إيران وبخاصة الشق المتعلق بالاتفاق النووي الموقع في 14 يوليو/ تموز 2015. فرغم حملته الشعواء على الحزب الديمقراطي ورئيسه آنذاك باراك أوباما، وتعهده ب «تمزيق» الاتفاق إبان حملته الانتخابية باعتباره أسوأ اتفاق تبرمه واشنطن على الإطلاق في تاريخها وفقاً لتوصيفه. ورغم ذلك، تراجع عن مواقفه في سياق تشريعي، عبر مشروع قانون أمام الكونغرس للمضي في الاتفاق عبر رفع تدريجي للعقوبات على طهران، والذي يحتِّم على الإدارة الأمريكية عرض الموضوع كل ثلاثة أشهر على الكونغرس كمسار رقابي للاتفاق وللموقف منه.
السلوك الرئاسي الأمريكي، وإن بدا في الشكل تراجعياً، إلا أن الجانب الأشد حساسية في الموضوع، هو تحديداً الشق المتعلق بالبرنامج الصاروخي البالستي الذي توليه طهران أهمية خاصة، باعتباره عصب القوة الاستراتيجية التي تعتمد عليها في المنطقة، سيما وأن هذا الموضوع تحديداً كان من أبرز جوانب التشدد الإيراني خلال مرحلة المفاوضات التي استمرت ثلاث سنوات، حيث ظلت خلالها متمسكة بمواقفها الرافضة لإدراج هذا الملف في إطار السياق التفاوضي في البرنامج النووي.
ورغم ذلك، تمكنت مجموعة الخمسة زائد واحد، من إدراج هذا الشق في مفاوضات الربع ساعة الأخير، وتمكنت من فرضه في الاتفاق الأساسي الذي تمّت تغطيته دولياً عبر مجلس الأمن الذي وضع موضع التنفيذ في يناير/ كانون الثاني 2016. وهو أمر يعتبره الغرب بشكل عام موضوعاً من الصعب التغاضي عنه أو التراخي بشأنه كما يعتبره مساراً لتهديد الأمن الإقليمي والدولي، في ظل قدرة الدول على تطوير منظوماتها الصاروخية بطرق سريعة وبعدم القدرة الدقيقة والكافية على رصدها ومتابعتها. لذا تبدو الخشية الأمريكية واضحة في هذا الشأن تحديداً، بخاصة أن ثمة اتهامات أمريكية بقيام إيران بتجارب على صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، إضافة إلى هذا الشق ثمة مطالب متعلقة بتطوير زوارق سريعة، وهو غمز من قناة تهديد ممرات تصدير النفط في الخليج العربي.
لقد فتحت الإدارة الأمريكية مساراً جديداً في ملف الاتفاق النووي من بوابة الصواريخ البالستية والزوارق السريعة، بما تعتبره تأجيجاً للصراعات الإقليمية في المنطقة، وبخاصة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهي بيئات عسكرية استعملت فيها بعض هذه الصواريخ، كما يمكن أن تعتبره واشنطن كاسراً لموازين القوى السائدة في إطار الأزمات الأساسية والفرعية في المنطقة، وبالتالي يندرج الأمر في إطار سياسات استراتيجية من الصعب على واشنطن التردد فيها أو التراجع عنها.
وأياً يكن الأمر في هذا التحوّل الأمريكي من الاتفاق لجهة تجديد التصديق عليه لأول مرة في عهد الرئيس دونالد ترامب، فإن سياق السلوك الأمريكي في هذا الملف في إطار العلاقات الأمريكية – الإيرانية، سيشهد مزيداً من التعقيد والتصعيد، سيما وأنه تضمن جانباً تعتبره طهران خارج إطار الاتفاق، وبالتالي إن فرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها سيزيد من حالات التوتر التي لم تغب أصلاً.
ثمة إعادة خلط لأوراق كثيرة في المنطقة، ما يتطلب أيضاً من اللاعبين الكبار فيها، إجراء عمليات شد وجذب مؤثرة بين اللاعبين الفرعيين، وهو أمر يتطلب ممارسة ضغوط اقتصادية موجعة، وهذا ما سارت به واشنطن في قرارها بفرض عقوبات اقتصادية على كيانات وأشخاص مرتبطة بالبرنامج الصاروخي الإيراني، وهي وسيلة تعتبرها فعالة للجْم السياسات الإيرانية في المنطقة.
في المحصلة ثمة تاريخ طويل من العداء المستشري بين واشنطن وطهران، استعملت فيه كافة أنواع المواجهات غير المباشرة حتى الآن، وبالمناسبة أيضاً، ثمة حرص واضح ساد بين الجانبين في الحقب الماضية على عدم الوصول إلى الصدام العسكري المباشر، فهل سينسحب الأمر على عهد الرئيس دونالد ترامب أم أن أمراً سيتغير؟ التدقيق في بعض مراحل الأزمات يشي بأن ثمة قدرة لدى الطرفين على استعمال واستثمار الأزمات الفرعية منعاً للصدام المباشر، إلا أن صعوبة سبر أغوار سلوك الرئيس دونالد ترامب يفتح المجال أمام خيارات كانت مستبعدة!Original Article