مونولوج فضائي
خيري منصور
حين نقرأ رواية أو نشاهد فيلماً ونتوقع على الفور كل ما سوف يحدث أو يقال لا نستطيع مواصلة القراءة أو المشاهدة؛ لأن غياب عنصر التشويق والمفاجأة يفقد العمل حيويته وسحره.
وهناك برامج حوارية متلفزة أصابتها عدوى الرتابة بحيث ما إن يعلن اسم الضيف حتى يحزر المشاهد تسعين في المئة مما سوف يقول، رغم أن أهمية البرامج الحوارية تكمن أساساً في اختلاف المقاربات ووجهات النظر، والمثل الشعبي القائل إن المكتوب يعرف من عنوانه يختصر المسألة كلها، وسبب ذلك أن معظم الفضائيات حسمت أمرها ورمت بكل ما ادعته حول حرية التعبير وحق الاختلاف إلى البحر أو عرض الحائط لا فرق!
والتجانس سواء كان أيديولوجياً أو سياسياً بالمعنى الإجرائي يفقد أي حوار عنصر التشويق والترقب؛ لأن الخطاب في مثل هذه الحالات محفوظ عن ظهر قلب، وحين يصبح العازفون جاهزين لحركة العصا التي يحركها المايسترو، فإن الحوار يصبح «مونولوج» أي تداعيات ذاتية وهو يعكس «الديالوج» أي الحوار المتكافئ مع آخر مختلف!
والوجه الآخر لهذه العملة الإعلامية هو البحث عن الأضداد أي عن الشحم والنار، بحيث ينتهي الحوار لمجرد أن يبدأ، إما بالتراشق بأكواب الماء أو مفردات الهجاء المتبادل وأحياناً تستخدم الأحذية!
فلا التجانس الذي يحول الأطراف إلى أوركسترا تعزف السمفونية ذاتها ولا التنافر الذي يحول الحوار إلى صراع ديكة؛ لأن للحوار خصوصاً إذا كان مسموعاً ومرئياً ويدخل كل البيوت أدبيات وحداً أدنى من اللياقة اللفظية ومستوى التعبير.
لهذا علينا أن لا نعجب من انصراف القرّاء عن رواية تقفز نهايتها إلى مقدمتها أو عن فيلم يخلو من أي تشويق، أو عن برنامج حواري لا يختلف ضيوفه إلا بألوان ملابسهم وربطات العنق!Original Article