شاباً كنت أم شائباً
منعت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» ممن هم دون الخمسين من الصلاة في المسجد الأقصى الجمعة الماضية.. لكن الفلسطيني لو كان في الستين أو السبعين أو حتى الثمانين فهو بطبعه وفطرته مقاوم عتيق منذ الانتداب البريطاني ووعد بلفور والتقسيم وإلى الاحتلال الصهيوني الإرهابي.
من الرموز الفلسطينية المقاومة التي ظلت تقارع الحركة العنصرية الصهيونية في فتوتها وشبابها وشيخوختها نذكر على سبيل المثال لا الحصر: راغب النشاشيبي 1883 – 1951، سعد صايل 1932 – 1982، سليم اليعقوبي 1880 – 1946، صبحي أبو غربية 1921- 1967، عارف العارف 1892 – 1973، عارف بكر الدجاني 1856 – 1928، عبدالقادر الحسيني 1908، 1948، عبدالكريم الكرمي 1907 – 1980.. وغير هؤلاء المئات، بل الآلاف من الفلسطينيين الخمسينيين والستينيين والسبعينيين، وبينهم قادة سياسيون، وأدباء، وصحفيون، ومقاتلون، ورجال علم واقتصاد وتجارة.. والبعض من القائمة الذهبية الفلسطينية ناضل بالشعر ومات مبكراً مثل الشاعر إبراهيم طوقان 1905 – 1941، والبعض أبقى يده على سلاحه حتى وهو محدودب الظهر وقد تقدم في العمر.
من بين السبعينيين المناضلين على سبيل المثال نذكر ضاهر العمر 1689 – 1775 من حكام مدينتي صفد وعكا، وكان من أوائل المناهضين للحكم العثماني، ولا تنسى الذاكرة العربية أيضاً أحمد باشا الجزار 1148 – 1219، وأنطون داود 1909 – 1969 وهو من شباب ثورة عام 1936 في فلسطين.. وإلى آخر هذا الصف من المحاربين القدامى من سن الشباب إلى سن الكهولة والشيخوخة من دون حساب للسنوات والأعمار والأجيال.
قاتل هؤلاء بما أتيح لهم من عدة وعتاد مدني أو عسكري قبل 1948، وشهد الكثير منهم اندلاع الحرب العالمية الثانية، والكثيرون أعطوا أمثلة تاريخية لا تغيب عن الذاكرة الفلسطينية في معنى البطولة والاستشهاد حدّ الأسطورة من الشباب والشيّاب على حدٍّ سواء.
لذلك، فإن قرار السلطات «الإسرائيلية» بمنع من هم دون الخمسين من الصلاة في المسجد الأقصى قرار مضحك ويدعو إلى السخرية، فالبعض من هؤلاء المصلين الكبار في السن كان لهم في الماضي تاريخ مُقاوِم، أما الشاب الذي يُحرم من حقه الديني في مدينته المقدسة فإنه لن يغيّـر من قناعاته الوطنية، ولن يتحول عن مبادئه وثقافته الفلسطينية التاريخية وبخاصة في ما يتعلق بالقدس، كما أن هذا الشاب الذي يشعر في قرارة نفسه بنوع من العنصرية الدينية والفصل اللاأخلاقي سَيُعبأ ذاتياً وتلقائياً بفكرة المقاومة على أرضه وبأدواته المتاحة، وسوف يتعمّق إحساسه بالقدس، وإذا كانت مدينته الروحية هذه محاصرة وممنوعة عليه بالقوة الغاشمة، فهو قادر على نقل إحساسه الداخلي بالقدس إلى كل مدينة وقرية وبلدة في كل فلسطين التي أنجبت زعتراً ومقاتلين.. وأنجبت أيضاً شيباً وشباباً صلاتهم في القدس وفي غير القدس واحدة.. ما دامت رمزية الأقصى الدينية والوطنية والفلسطينية هي أيضاً واحدة.
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com