تحدي الملح والثلج
محمد سعيد القبيسي
باتت الإنترنت واقعاً مفروضاً، ولم تعد فكرة تجاهلها أو التغاضي عنها مطروحة للنقاش، فقد حسم الأمر عندما أصبحنا نعتمدها مرجعنا الأول في الحصول على المعلومة. لذا تراها ضربت جذورها بقوة في صلب أكثر المجتمعات تحفظًا لتغدو سلاحاً ذا حدين، فهي نافذتنا التي تطلعنا على آخر المستجدات والابتكارات في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن كونها مصدراً لتنمية المهارات في مختلف العلوم، ولكنها بالمقابل كما الهوة التي تحمل في طياتها ثقافات وعادات وأفكاراً دخيلة لا تهدف إلا إلى استنزاف عقول وأرواح الشباب.
ويمكن اعتبار التحديات التي تجتاح الإنترنت كل فترة إحدى تلك الأفكار الدخيلة، ففيها يقوم أشخاص -عادةً ما يكونون من فئتي الفتيان والشباب من المراهقين من مختلف أنحاء العالم بتنفيذ التحدي وتصويره، من ثم يرفعون الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من سخافة أغلب أفكار تلك التحديات ومن حقيقة أنها عبثية لا تحمل أي فحوى، إلا أنها خطيرة. ويعتبر «تحدي الملح والثلج» حتى الآن أخطرها، حيث تقوم فكرة التحدي على نثر ملح على البشرة، من ثم يقوم المتحدي بوضع مكعب من الثلج فوقه، وكل ما عليه فعله هو الانتظار أطول فترة ممكنة، وتكمن خطورة هذا التحدي في التفاعل الحاصل بين الثلج والملح، والذي بسببه يحدث انخفاض حاد في درجة حرارة البشرة الأمر الذي ينتج عنه حروق بالغة الشدة.
قد يعتقد البعض أن صور تلك الحروق المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشكل رادعاً للمتحدين الجدد، ولكنها في واقع الأمر احتلت شكلاً من أشكال التباهي بين المراهقين الجامحين الذين يرغبون دوماً بتجربة كل ماهو جديد. وهنا تكمن المعضلة، فقد باتت التربية الآن مهمة غاية في الصعوبة، ففيما مضى كانت مراقبة الأطفال لا تحتاج الكثير من الجهد، فالاطمئنان على محيطهم في المدرسة والحي كفيل بحمايتهم من الشرور، ولكن الآن، حتى وإن كان الأبناء داخل البيت، لم يعد بإمكان الآباء الشعور بالراحة، ففكرة وجود الإنترنت في البيت وحدها تجعل تلك المشاعر تتلاشى.
لذا يجدر بالأهل التخلي عن الثقة الزائدة بأنفسهم قبل أبنائهم، فكمية المستجدات والأفكار السوداوية التي تصدرها الثقافات عبر الإنترنت باتت لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن مجابهتها إلا بزيادة الوقت المخصص للأبناء، فمن خلال مجالستهم والتحاور معهم كأصدقاء يمكن معرفة ميولهم وما يستهويهم والتساؤلات التي تدور في خلدهم، فالشباب يهوى المغامرة والتجربة وذلك ليس بخطأ، ولكن مراقبة الأهل الحثيثة المحبة لا المخيفة هي التي تدفع بالأبناء لمصارحتهم ومشاركتهم مكنوناتهم، ولا ننسى مهمة الإعلام الكبيرة التي تجعله مسؤولاً عن الكشف عن كل تلك المستجدات الخطيرة التي تعصف بشبابنا يومياً.
abudhabi@email.com