الفشل في مكافحة الجريمة المنظمة نبذة عن الكاتب:
تأليف: مايكل وودويسعرض وترجمة: نضال إبراهيم
لا تزال الرموز الشعبية للجريمة المنظمة في الولايات المتحدة، تمثل شخصيات من عهد الكساد الكبير، مثل آل كابوني، ولاكي لوتشيانو، وماير لانسكي، الذين يعتقد أنهم رؤساء لمافيات عملاقة هرمية التنظيم. يحاول مايكل وودويس في هذا العمل الكشف عن حقيقة مثيرة للقلق متعلقة بالجريمة المنظمة، وهي تواطؤ وتورط المسؤولين الحكوميين والمؤسسات في الولايات المتحدة على نطاق واسع وعميق مع شبكات العصابات الإجرامية، خاصة في القطاع المالي والتجاري.
من خلال التعمق في محاولات تنفيذ سياسات مكافحة الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة، يكشف وودويس في هذا الكتاب الصادر حديثاً في 272 صفحة من القطع المتوسط عن دار «بلوتو برس» باللغة الإنجليزية، عن مظاهر غير معروفة من الجريمة المنظمة بين المؤسسات السياسية والشركات. ويوسّع نطاق مناقشته إلى الوقت الحاضر من خلال دراسة أولئك الذين بنوا الأسطورة، ومن ثم استفادوا من صنعها. ومن بين هؤلاء الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني، والسياسيون والمسؤولون الأمريكيون الانتهازيون، ومؤخراً أكثر، البيروقراطيات المكلفة بتطبيق القانون، بقيادة مكتب التحقيقات الفيدرالي.
التستر على الفشل
يشير الكاتب إلى أن سياسات مكافحة الجريمة المنظمة تميل الآن إلى إضفاء الشرعية على القمع والتستر على الفشل، مؤكداً أن المسؤولين الأمريكيين يقومون بجهد يكاد لا يذكر لمكافحة الجريمة المنظمة. وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة تصدير نموذجها الخاص بمكافحة الجريمة المنظمة إلى بقية العالم، تتسع وتتوالد فرص النشاط الإجرامي الناجح على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، مما يجعل الملاحقات القضائية الناجحة غير مرتبطة بالموضوع.
يقول في تمهيده: «الجريمة المنظمة وامتدادها الأحدث (الجريمة المنظمة العابرة للحدود)، تركيبات سياسية واجتماعية صنعت في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه التركيبات ساعدت عدداً من الأفراد على تحقيق التقدم المهني في الإعلام، والسياسة، والأعمال، والبيروقراطيات، لكنها لم تساعد على فهم أو مكافحة نشاط الجريمة المنظمة».
ويحاول عبر عمله هذا أن يتحدى العديد من الافتراضات الأصلية التي لم تجد من يتحداها تقريباً فيما يتعلق بماضي «الجريمة المنظمة». هذه الافتراضات التي تنبثق من هؤلاء الأفراد الذين يتخفون وراء إجماع عالمي حول الجريمة المنظمة العابرة للحدود التي من شأنها أن تساعد على استدامة مستويات غير محدودة تقريباً من الفرصة الإجرامية.
بدايات المافيا في أمريكا
يجد وودويس أن أكثر الكتّاب يبدؤون بكتابة تواريخهم عن الجريمة المنظمة في أمريكا من نهاية القرن التاسع عشر، عندما هاجر إليها مئات الآلاف من الإيطاليين، حيث جلبوا معهم مجتمعات سرية، أبرزها المافيا. في عهد حظر الكحوليات في الولايات المتحدة من 1920 إلى 1933، كما تقول القصة، أصبحت المافيا -التي كان يعتقد أنها الجريمة المنظمة – أكثر مركزية، وسيطرت على تلك النشاطات التي كانت من فترة الحرب الباردة وما بعدها، إذ كانت مرتبطة على نحو أكثر مع البنية: القمار غير القانوني، تهريب المخدرات، والابتزاز، مشيراً إلى أن رواة القصص بدؤوا في نقل فكرة أن الجريمة المنظمة كانت تهديداً على الأمن القومي، ما تطلب استجابة من الأمن القومي لصدها، متضمنة: قوانين صارمة، الإنفاذ الحاسم للقانون، وإجراءات العدالة الجنائية.
وتستمر الرواية قائلة إنه منذ سنوات السبعينات – يقول الكاتب – استخدمت الحكومة الممثلة في مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، وإدارة مكافحة المخدرات سلطات جديدة في مكافحة الجريمة المنظمة بشكل مؤثّر وكسرت القبضة المزعومة للمافيا. لكنهم أضافوا تحذيرات لهذا النجاح. وأزيح هذا النجاح بظهور ما أشارت الحكومة إليه بأنه «مجموعات الجريمة الناشئة»، بشكل رئيسي من أصول أجنبية، لكن من بينهم من نشأ في الداخل الأمريكي، وعصابات الدرّاجين البيض، مثل هيل آنجلس.
ومن نهاية الحرب الباردة – يستمر وودويس في حديثه – ردّد كتّاب «الجريمة الحقيقية» رواية جديدة، مستندة أساساً على مصادر من داخل الحكومة الأمريكية. بحسب اعتقادهم، كانت العولمة نقطة تحوّل تركت عدداً من المنظمات المركزية الهرمية فائقة الإجرام تنضم إلى المافيا وتقوم بالتحكم بتهريب المخدرات، والنشاطات غير الشرعية الأخرى العابرة للحدود. وجهة النظر هذه بقية سائدة حتى حلت محلها وجهة نظر أخرى أكدت على تعدد الشبكات الإجرامية.
ويعكس كتاب صادر في 2007 للمؤلفة ميشا جليني وجهة النظر السائدة الحالية. كما وُضّحت أيضاً من مسؤولين في الحكومة الأمريكية مثل ويليام إف. ويكسلر نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون مكافحة المخدرات والتهديدات العالمية، الذي أشار إلى أن بنية المجموعات الإجرامية قد تغيرت.
ويرى الكاتب أنه كان هناك القليل من التركيز على مشكلة «الجريمة المنظمة» الداخلية المستمرة في أمريكا منذ نهاية الثمانينات. وتزامن هذا مع حافز شديد لتصدير استراتيجيات مكافحة الجريمة المنظمة على الطريقة الأمريكية عبر الضغوط البيروقراطية والدبلوماسية. فالعديد من الدول لديها الآن أكاديميات على نمط مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» لأجل التدريب في تقنيات مكافحة الجريمة المنظمة، كما أن دولاً أخرى لديها الآن نسخ عن «إف بي آي» نفسها. المملكة المتحدة، على سبيل المثال، كشفت عن «إف بي آي البريطانية» التي كان عمرها 15 عاماً في 2013. لكن نادراً ما يمكن تحدي تقنيات مكافحة الجريمة المنظمة على الطريقة الأمريكية. إلا أن الكاتب يحاول على عكس هذه الروايات التاريخية أن يروي قصة مختلفة من شأنها أن تساعد على توضيح مأسسة اتجاهات مكافحة كراهية الأجانب وجرائم الاستبداد، وذلك قبل فترة طويلة من تسلم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
أدبيات الجريمة المنظمة
يأتي مضمون العمل في أربعة أجزاء عناوينها كالتالي: الأول: التخلص من النفايات: بناء فهم مقبول «للجريمة المنظمة»، الثاني: الكذب الدائر عن المجرمين: بناء «تاريخ» مقبول للجريمة المنظمة، الثالث: التستر على الفشل: بناء استجابة مقبولة على «الجريمة المنظمة»، والرابع: الفشل في البيع: وضع جدول الأعمال العالمي بشأن المخدرات والجريمة المنظمة وغسل الأموال.
ويحتوي كل جزء على مجموعة فصول، نبدأ بالجزء الأول الذي يحتوي على مقدمة يشير فيها الكاتب إلى أن كل مناطق تاريخ الجريمة المنظمة الأمريكية لم تكن معروفة وغير معترف بها من قبل الأمريكيين في أوائل القرن العشرين. وأن جرائم الاحتيال والعنف الممنهج ضد الأمريكيين الأفارقة والأصليين إما تم تبريرها كنتيجة قانون عنصري «فوقي» أو تم نسيانها مع بدايات القرن العشرين. وأن المعلقين والأكاديميين الذين فعلوا الكثير لتطوير الأدبيات عن الجريمة المنظمة، لم يعتبروا، على سبيل المثال، النشاط الإجرامي المنظم الموجّه ضد الأمريكيين الأصليين والأمريكيين الأفارقة كجريمة ناهيك عن الجريمة المنظمة، ف«المشكلة الهندية» و«مشكلة الزنوج» لم تكونا بالنسبة لهم جزءاً من مشكلة «الجريمة المنظمة».
وتتكون المقدمة من فصلين هما: أولاً: صعود وسقوط فضح التجاوزات القانونية في الأعمال التجارية، والحملة الأخلاقية في أمريكا وصناعة الأسواق غير الشرعية. كما يحتوي هذا الجزء على ثمانية فصول هي: تشارلز ج. داويس وصياغة الرأي العام بشأن الجريمة المنظمة، آل كابوني عدو عام رقم واحد، آل كابوني وأعمال الجريمة، إضفاء الطابع الأمريكي على حرب موسوليني المزيفة ضد المافيا، الجريمة المنظمة في دولة فاشية، التحقيق في الجريمة المنظمة والدعاية، توماس إي.ديوي وأكبر العصابات في أمريكا، من ضباط يكافحون الجريمة المنظمة إلى شركة للقتل.
ويتضمن الجزء الثاني أربعة فصول هي: تشكّل أسطورة «مؤتمر» أتلانتيك سيتي، دعم أسطورة «المؤتمر»، التطهير الذي لم يكن..، تاريخ الحكومة الأمريكية للجريمة المنظمة، ويتبعه ملحق بعنوان «لوتشيانو والحياة في المنفى».
تجاهل الحقائق
يتعمق الكاتب أكثر في الفصل الثالث حول خطورة التورط في الجريمة المنظمة بأسلوبها الحديث، والذي يؤثر على المجتمع بشكل مباشر. ويتميز بفصوله الكثيرة، إذ يأتي في 14 فصلاً: أساطير المافيا والاستجابة الاتحادية، الرئيس ريتشارد نيكسون ومكافحة الجريمة المنظمة، تحدي الاستقامة، استدامة وتحديث أساطير المافيا، من الحكومة العليا إلى الحكومات العليا: المراجعة التعددية للجريمة المنظمة، أصول نظام مكافحة غسل الأموال، المخبرون الكذابون والمذعورون، الاستيلاء على الأصول لتمويل حرب الجريمة، حظر المخدرات وظاهرة عصابات السجن، جرائم الأعمال المنظمة: حقائق خطيرة يتم تجاهلها، إلغاء القيود التنظيمية وظهور احتيال الشركات، الاحتيال والانهيار المالي، إخفاء فشل مكافحة الجريمة المنظمة، القمع كمكافحة للجريمة المنظمة.
يرى الكاتب أن الجهود الوطنية والدولية في الولايات المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة قد فشلت، وستستمر بالفشل طالما أن السياسيين الانتهازيين والبيروقراطيين المحترفين في الولايات المتحدة وغيرها اختاروا اتباع طريق غير قويم، وهذا الطريق يتكون من الإفراط في مراقبة الفقراء وتطبيق القوانين عليهم، وإهمال الأغنياء والميسورين وعدم إخضاعهم للقوانين بشكل فعلي. والحبس الجماعي في العقود الأخيرة ضاعف من أعداد الشبكات الإجرامية التي على الأرجح تكون جاهزة، ومتلهفة، وقادرة على اللجوء إلى العنف لكي تدير أعمال الابتزاز التي تقوم بها وتمنع من تعرضها للانكشاف. كما أن رفع القيود في العقود الأخيرة كان عاملاً أساسياً مساهماً في الانهيار المالي الذي حدث في 2007 / 2008، لأن ذلك سمح كثيراً لنشاط الجريمة المنظمة بالانتعاش من دون عقاب وبالتالي من دون كشف.
تبسيط الاستجابة
أما الجزء الرابع والأخير فيضم ستة فصول هي: فقدان جريمة الشركات من الجريمة العابرة للحدود، بناء القدرات، أمركة النظام البريطاني لمكافحة المخدرات، تبسيط الاستجابة الدولية للمخدرات و«الجريمة المنظمة»، القمع والأرباح والقتل: الولايات المتحدة في كولومبيا والمكسيك، التحالف الأطلسي كمغسلة للمال.
ويشير الكاتب في ختام عمله إلى أنه عند تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة كانت كلماته وكلمات المسؤولين في إدارته تشير إلى نهج على غرار الرئيسين السابقين نيكسون وريجان في اتباع «نهج قاس ضد الجريمة»، و«ضبط المحتكرين»، بينما غضوا الطرف عن تزايد فرص الجرائم المالية والتجارية المنظمة.
ويضيف أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تبقى القوة العالمية المهيمنة، إيديولوجياً وعسكرياً واقتصادياً، خلال عهد ترامب، وأنه من غير المحتمل أن يتغير فهم الجريمة المنظمة ومكافحتها. والنخب الحاكمة في أغلب البلدان الأخرى، من بينها روسيا والصين، يمكن أن تشهد جذباً إلى سياسات مكافحة الجريمة المنظمة بالاستناد على النموذج الأمريكي. ومثل موسوليني وأنصاره الأمريكيين في سنوات العشرينات والثلاثينات، يعرف الاستبداديون أن قمع الجريمة المنظمة هو سياسة مألوفة للدولة. كما أنهم يعرفون تحديد واختيار المجرمين المنظمين. موضحاً كلامه أكثر: «بين 1929 و1931 اضطلعت لجنة ويكرشام في الولايات المتحدة بالتحقيق الموضوعي والعلمي الأول والأخير المدعوم حكومياً في مشكلة الجريمة المنظمة. وكان من أهم توصياتها «إجراء تحقيق فوري وشامل وعلمي في الجريمة المنظمة في أرجاء الدولة، وذلك بهدف تطوير خطة ذكية لأجل مكافحتها». لكن من المحزن – يقول الكاتب- أنه لم يجرَ أي تحقيق، وسيطر السياسيون والبيروقراطيون والإعلاميون بشكل متناوب على مفهوم الجريمة المنظمة.
ويختم بالقول: الميول الاستبدادية والكراهية ضد الأجانب التي تميز رئاسة ترامب تشكل حافزاً لإجراء التحقيقات الوطنية والدولية التي ينبغي أن تنظر أولاً في الأحداث التي تدعى «الجريمة المنظمة». وهذه التحقيقات ربما تتيح تشكل خطة ذكية لمكافحتها ومنعها من الظهور. في الأثناء، لن تثمر جهود مكافحة الجريمة المنظمة في منع توالد شبكات العصابات الريادية، من بينها ما يتشكل في السجون، وتمتلك سلطة مطلقة في الجريمة المنظمة ضمن الأنظمة المالية والتجارية على وجه الخصوص.
نبذة عن الكاتب:
مايكل وودويس محاضر بارز في التاريخ في جامعة غرب إنجلترا.
وقد كتب على نطاق واسع عن الجريمة المنظمة على صعيد الشركات والدول، وله عدد من المؤلفات منها: «الجريمة المنظمة والسلطة الأمريكية» (مطبعة جامعة تورنتو، 2001)، و«رأسمالية العصابات: الولايات المتحدة والصعود العالمي للجريمة المنظمة» (دار كونستابل، 2005).