قضايا ودراسات

مشهد ثقافي ليبي

كان ظل معمر القذافي «الأخضر» طاغياً على الأخضر واليابس في ليبيا إلى درجة العتمة.. لا نعرف شيئاً عن المسرح، لا شيء عن الشعر، لا شيء عن الرواية.. عزلة رهيبة وصحراء نائية.

الكتاب الأخضر فقط في ليبيا كان في «مملكة» ملك الملوك المتنقل في خيمة ملونة وحوله حرس من النساء.. كتاب إذا قرئ من الغلاف الأول إلى الأخير أو من الغلاف الأخير إلى الأول فالمعنى واحد: «اللامعنى».
نستعيد ذلك المشهد السوريالي لرجل كان يصف شعبه بالجرذان، ونحن نقرأ ملفاً حول المشهد الأدبي الليبي الجديد في العدد الأخير من مجلة «نزوى» الصادرة في سلطنة عُمان من إعداد وتقديم القاصّ والروائي الليبي سالم الهنداوي.
دافع قراءة هذا الملف يعود إلى العزلة الثقافية التي كانت مضروبة على ليبيا في حكم القذافي.. بمعنى هل أنتجت تلك العزلة أو كانت تنتج بصمت وفي الخفاء أدباً بعيداً في روحه وفي محتواه عن هيمنة «الثقافة الرسمية الخضراء»؟… للإجابة عن هذا السؤال يدفعك الفضول لقراءة كل ما يقع تحت يدك من أدب ليبي كان ينمو في الظلام.
دافع القراءة، أيضاً، مبعثه الواقع الليبي التراجيدي بعد زوال القذافي؛ حيث الميليشيات المسلحة، وجيوب «داعش»، والانتهازيات والأطماع الإقليمية والدولية تجاه بلد كان في غيبوبة سببها القذافي، وصار إلى غيبوبة أخرى سببها الربيع الليبي الذي تحوّل إلى خريف فما الذي نتوقعه من شعر أو رواية أو كتابة عموماً في بيئة ليبية تراجيدية قبل القذافي وبعده؟
يقول معدّ الملف سالم الهنداوي.. «.. في خلال ست سنوات من الحرب والفوضى، أنتجت رائحة الموت في الشوارع نصوص الحياة.. فكان أدباء ليبيا على الموعد دائماً مع الإنسان، في ماضيه الزاخر وحاضره المؤسف، ومستقبله الموعود بالأمل..».
أولاً كنّا نأمل من الهنداوي مقدمة بحثية استقصائية تشير إلى مآلات وأحوال الثقافة قبل وبعد ربيع وخريف ليبيا، والحفر أكثر في الكتابة الروائية والقصصية والفكرية والمسرحية ولو بإضاءات سريعة، لكنه آثر التركيز على الشعر، وإن كان من استنتاج ما في ضوء ملف الهنداوي، فإن ليبيا القذافي وما بعده ما كان لها في جوّ سياسي واجتماعي ونفسي خانق أن تنتج أدباً أو علوماً أو مسرحاً أو ثقافة تعكس روح المجتمع الليبي المغلوب على أمره.
أمامنا- إذاً- نماذج شعرية لا أكثر ولا أقل طابعها العام التواضع والسرعة وأحياناً الارتباك، نصوص تقريرية تماماً. لا هي نصوص تفعيلية، كما لا يمكن أن تنسب إلى قصيدة النثر، ومع ذلك هناك التماعات قليلة تحاول الخروج على برودة هذا الشعر.
الأسباب الكامنة وراء برودة الشعر الليبي لا تحتاج إلى شرح مطوّل، فالآداب والفنون والعلوم بل والثقافات الحية، تنمو وتزدهر وتتمكن من بلورة نفسها عندما تكون في بيئات سياسية واجتماعية وثقافية مستقرة والاستقرار لم تعرفه ليبيا لا ثقافياً ولا نفسياً منذ ملك الملوك.. وحتى ميليشيا «داعش» التي لا تؤمن أصلاً بشيء اسمه ثقافة ومعرفة وتنوير.
مع ذلك.. الشعوب لا تموت مهما حوصرت بالجهل والغرور والغباء.. وليبيا الإبداعية المثقفة.. قادمة.

يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى