كونفيدرالية السودان وجنوبه
فيصل عابدون
لا تزال الكثير من القضايا الخلافية عالقة بين السودان وجنوب السودان بعد مرور أربعة أعوام على الانفصال. وفي الواقع فإن كل القضايا الخلافية لا تزال مطروحة على طاولة التفاوض، ولم يتم تجاوز أي منها. وحتى الاتفاقات التي تم التوصل إليها بجهود وضغوط الوسطاء الإقليميين والدوليين، لم تصمد كثيراً، وانهارت بسرعة، لتبقى الصراعات حول ترسيم الحدود والترتيبات الأمنية ومصير منطقة آبيي، علاوة على الخلافات حول رسوم معالجة وتصدير النفط، تقوض فرص التطبيع والتعاون، وتنذر بتجدد الحرب.
في فترات متقطعة طرح قادة سياسيون من الدولتين إمكانية عودة الوحدة بين الدولتين، استناداً إلى تنامي صعوبات بناء الدولة، واندلاع الحرب الأهلية في الجنوب، والأزمة الاقتصادية الخانقة في الشمال بعد توقف مداخيل النفط. لكن فكرة استعادة الوحدة بعد الانفصال هي أمنيات وأحلام غير واقعية، ومستحيلة التحقق. فالدول لا تفكك نفسها ثم تنضم إلى غيرها مهما تعقدت مشكلاتها الداخلية. ومن غير الواقعي أن نفترض أن بإمكان الزعماء التخلي عن السلطة بسهولة، ومن دون قتال.
وبالنظر إلى الوضع بين السودانيين فإن النظام الكونفيدرالي هو الطرح الأكثر واقعية والأقرب للتحقق على أرض الواقع، من حيث قدرته على تذويب كتل الخلافات الراهنة وتحويلها إلى فرص واعدة للتعاون الاقتصادي المثمر، علاوة على أنه لا يمس حدود السيادة الوطنية، ويحمي امتيازات القادة والزعماء ولا يهدد طموحاتهم السلطوية.
وفكرة النظام الكونفيدرالي ليست جديدة على طاولات التفاوض بين السودانيين على جانبي الحدود، فقد تم طرحها في بعض المراحل خلال مفاوضات نيفاشا كبديل لخيار الانفصال، لكن قوة التيار الانفصالي الجارف حينها لم يمنحها الفرصة للمنافسة. وخلال الفترة الانتقالية التي شهدت إكمال هياكل الدولة الوليدة، قرر الجنوبيون اختيار اسم «جنوب السودان»، لدولتهم بديلاً لجمهورية «الاماتونج»، ذات الطابع الإفريقي. وتفاءل الكثيرون حينها، بأن الإصرار على البقاء في دائرة الوطن الأم، وحمْل اسمه ينطوي على إشارة واعدة للمستقبل.
وما يعزز هذا التفاؤل أن زعيم حركة التمرد الجنوبي الراحل جون قرنق في سنواته الأخيرة بدأ يظهر ولعاً متنامياً بقراءاته لتاريخ مملكة كوش، والإنجازات الحضارية للفراعنة السود في شمال السودان. وقد كان يرغب بشدة، في أن يكون مرتبطاً بشكل ما بهذه البقعة ذات التاريخ الممتد ولا يقطع الصلة معها.
واليوم، يزور الرئيس سلفاكير ميارديت الخرطوم في جولة مفاوضات جديدة قد لا تختلف كثيراً عن الجولات السابقة. فالأزمات المزمنة لا تحلها الاتفاقات المجتزأة ولا الأحلام الطوباوية.
والنظام الكونفيدرالي فكرة مطروحة للخروج من عنق الزجاجة نحو المستقبل. فهو يحقق مصالح الشعبين في استدامة السلام والاستقرار والازدهار. وفي الوقت نفسه يحمي مصالح القادة والزعماء ويحقق طموحاتهم.
Shiraz982003@yahoo.com