قضايا ودراسات

هل تعترف المؤسسة الرسمية؟

ابن الديرة

يظل «الغلاء» موضوعاً صالحاً للإثارة والنقاش على مدى فصول السنة، حيث موسم الغلاء حاضر وممتد، ويشكل مادة خصبة لحديث الأسر والمجالس والمنتديات. وجود الغلاء، ولأسباب غامضة وغير مبررة، محل اتفاق مجتمعي واسع، وهنا لا بد من التركيز على مفارقة تطبع المعادلة: المؤسسة الرسمية، ممثلة، خصوصاً، في إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، لها رأي آخر، وأصبحت ردود الإدارة المعنية على «اتهامات» و«ادعاءات» جمهور المستهلكين ردوداً جاهزة أو في حكم الجاهزة، حيث يسيطر على الموقف ادعاء السيطرة على الأسواق، الأمر الذي لا يستقيم أبداً مع حجم إدارة حماية المستهلك وما تمتلكه من قدرات بشرية ومادية، فالأصل أن تكون للإدارة الرسمية المعنية أذرعة تفتيش كافية على الأرض، وهو ما لم يحدث من قبل ولم يحدث حتى الآن، فلا بد والحالة تلك، من وضع خطة واقعية لمواجهة الغلاء.
الخطوة الملازمة بالضرورة تغيير النظرة إلى مفهوم الغلاء، بحيث يتجاوز المفهوم السلع الاستهلاكية، وصولاً إلى بعض الرسوم والكثير من الخدمات، ومعلوم أن معظم أصحاب المهن يقدرون أثمان خدماتهم بأساليب غير موضوعية حتى لا نقول مزاجية، والخطوة الملازمة بالضرورة ضرورة النظر إلى الغلاء، في معظمه، باعتباره كلاً واحداً متكاملاً يؤثر في بعضه بعضاً، فمن البدهي مثلاً أن حلقة غلاء الإيجارات هي مجرد البداية في مسلسل غلاء متعدد الحلقات، ومن الخطأ فصل هذا عن ذاك في موضوع الغلاء.
الاعتماد هنا على نبض الشارع، وإدارة حماية المستهلك تحمل، بدءاً من اسمها، شعاراً نبيلاً، هو حماية المستهلك والدفاع عنه، فهل هي، وغيرها من الأقسام والإدارات المتخصصة، تقوم فعلاً بمثل هذا الدور؟ مواجهة الغلاء جزء أصيل من برامج الحكومة، وقبل ذلك عدم السماح أصلاً بمسافة يتحرك فيها التجار وأصحاب الخدمات الجشعون نحو تحقيق أغراضهم. نعم يعمل أولئك للربح وهذا مشروع ومباح ومطلوب، لكن رفع الأسعار المبالغ فيه لا ينتمي إلى فكرة التجارة، فرفع الأسعار إنما يكون بالأسباب الموضوعية كارتفاع التكلفة وتجويد النوع ونحوهما.
ولأن الغلاء حاضر فلا بد من مواجهته، ولا مواجهة قبل الاعتراف، وفي تحقيقات الصحافة وبرامج البث المباشر خصوصاً ترتفع أصوات الناس بمر الشكوى حول الغلاء وارتفاع الأسعار، فيما تتصرف الإدارة الرسمية المعنية انطلاقاً من أنها تبسط سيطرتها على الأسواق، وأنه لا مشكلة.
المشكلة في الواقع حقيقية، ويعاني منها الجميع، خصوصاً صغار الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، وعلى الإدارة الرسمية المعنية الاعتراف بالمشكلة أولاً، وتصديق ما يقوله الناس، أو على الأقل وضع ما يقول الناس كفرضية قابلة للتصديق، نحو التحقق منها، ثم اتخاذ الإجراء المناسب المنسجم مع الأنظمة المرعية والقوانين، أما غير ذلك، فليس إلا وضع العربة أمام الحصان، فلا رؤية أو هدف أو وصول.

ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى