غير مصنفة

الأسبوع الآسيوي – الأمريكي

د. ناصر زيدان

بين 4 و 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجولة آسيوية، شملت اليابان وكوريا الجنوبية والصين والفلبين وفيتنام؛ حيث عُقدت قمة تاريخية لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي «أبيك». وقد أجمع أغلبية المتابعين على توصيف النشاط الذي حصل في تلك الفترة؛ بأنه جذب أنظار العالم، وكان أسبوعاً لإعادة تقييم العلاقات الأمريكية – الآسيوية بامتياز.
كل الملفات الوازنة طُرِحت في ذلك الأسبوع، من التوتر النووي المُخيف مع كوريا الشمالية، وما للولايات المتحدة من تأثير في ذلك التوتر الذي يطولها بشظاياه… إلى العلاقات غير الواضحة بين واشنطن وبكين على خلفية التبعات السياسية والتجارية «الأوبامية» التي تُزعج ترامب، مروراً بحالة اللااستقرار غير المُعتادة التي أصابت العلاقات الفلبينية – الأمريكية في الأشهُر الماضية، والتي وصلت إلى حافة القطيعة. ولم تكُن العلاقات الروسية – الأمريكية غائبة عن أجندة هذا الأسبوع، رغم أن ضيق الوقت – أو إشكالية من يطلب الموعد قبل الآخر – حالا دون بحث هذه العلاقات بالعمق. أما أبرز جدول أعمال الأسبوع الأمريكي – الآسيوي؛ فكان تنظيم الخلافات الاقتصادية بالحد الأدنى بين دول ضفتي المحيط الهادي.
مهما يكُن من أمر، فإن الجولة الرئاسية الأمريكية الأولى في عهد الإدارة الجديدة إلى أقاصي الشرق؛ كانت حافلة، وحمولة الحقائب الأمريكية التي رافقت الرئيس ترامب كانت بأقصى طاقتها. ولولا بعض الاختصار الذي يغلب على الدبلوماسية «الترامبية»، لقلنا إن وضع جدول أعمال الزيارة بهذه التُخمة؛ خطأ إداري من الطراز الرفيع؛ لأنه لم يراعِ شكليات التشريفات البروتوكولية، التي تفرض إعطاءها وقتاً كافياً في مثل هذه الحالات.
ملفات جولة الرئيس ترامب كانت ثقيلة، وربما يحتاج كل ملف منها لزيارة خاصة. فالأزمة مع كوريا الشمالية، من أخطر المهام المطروحة على الإدارة الأمريكية الجديدة، ويكاد الملف أن يُفجِّر حرباً كونية غير مسبوقة. فحلفاء واشنطن في طوكيو وسيول؛ طالبوها بالحزم مع التهوّر الكوري الشمالي، وهذا الموضوع كان الطبق السياسي الأساسي على مائدة مباحثات ترامب والرئيس الصيني المُجدد له شي جين بينغ، رغم أن ملف العلاقات التجارية بين البلدين مُثخن بالمواضيع التي تحتاج للبحث، لأن رجال الأعمال الأمريكيين – لاسيما الصناعيين منهم – يطالبون الإدارة الجديدة بوضع حد للتمادي الصيني في صناعة التقليد، وفي وضع ضوابط لسرقة الملكية الفكرية، وحق استثمار الامتيازات المُبتكرة. والخلل في الميزان التجاري لصالح بكين، يُقلق الأمريكيين، وقد وعد الرئيس ترامب ناخبيه بالعمل على تصحيح هذا الاختلال قبل انتخابه. الرئيس جين بينغ لم يعطِ الرئيس ترامب وعوداً قاطعة فيما يتعلق بأزمة كوريا الشمالية، لكنه وعد ببذل جهد لحل المُعضلة عن طريق الحوار والمفاوضات، وبالفعل فقد توجه وفد صيني رفيع المستوى إلى بيونغ يانغ؛ لمناقشة الملف مع الرئيس الكوري الشمالي الشاب كيم جون. والوعد الصيني لترامب بهذا المجال؛ أنتج ثناءً أمريكياً على رئيس الصين، وصل إلى حد الإشادة بشخصية جين بينغ المُميزة على حد تعبير ترامب، وأُرفق الثناء أيضاً بتوقيع اتفاقيات تجارية بقيمة 250 مليار دولار.
ولا يمكن التخفيف من أهمية بعض الملفات الدولية التي تم الاتفاق عليها، أو وضعت لها خطط للمعالجة، خلال قمة أبيك في فيتنام. ومن أبرز هذه الملفات؛ الخلاف القائم بين الصين وفيتنام على ملكية جُزُر في بحر الصين الجنوبي، والذي كاد أن يوقِع حرباً بين البلدين العام الماضي. وقد اتفق الرئيسان الصيني والفيتنامي – اللذان ينتميان إلى عقيدة شيوعية واحدة – على عقد جولة مفاوضات بين البلدين؛ لإيجاد حل سلمي للنزاع، وسحب فتيل التوتر بين البلدين.
وما لا يقل أهمية أبداً عن هذه الملفات التي طُرحت في جولة ترامب وفي قمة فيتنام؛ كان الاتفاق الروسي – الأمريكي على بيان مشترك يُحدد أُسس معالجة الأزمة السورية، تمهيداً لإنهاء الحرب الدائرة، وإرساء استقرار في هذا البلد الذي ينزف منذ 7 سنوات. والمفاجأة في هذا البيان؛ أنه اعتمد مندرجات قرار مجلس الأمن ذات الرقم 2254 أساساً للحل، وبطبيعة الحال فإن الموافقة الروسية على اعتماد هذه المقاربة؛ يحمل تطوراً كبيراً في الموقف، وفيه دلالات إيجابية كبيرة؛ لأن القرار المذكور أعلاه يُشير بوضوح إلى اعتماد حل سياسي بعيداً عن منطق الغلبة، وهو يفرض إجراء انتخابات يشارك فيها كل السوريين، المقيمين والنازحين، تُشرف عليها الأمم المتحدة، وفق أفضل المعايير الديمقراطية.
ومقررات قمة أبيك الاقتصادية أغنت نتائج الأسبوع الأمريكي – الآسيوي؛ لأنها أبعدت الخلافات المُستعصية على القيود التجارية، وعالجت بعض القضايا التي تتعلق بالأنشطة غير العادلة. وكان هناك إجماع على عقد المؤتمر القادم في إفريقيا، على أراضي دولة نيو غينيا.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى