غير مصنفة

قاتل يعترف بجرائمه

مفتاح شعيب

في واقعة «إسرائيلية» لها أكثر من دلالة، تباهى وزير الأمن السابق موشيه يعالون بأنه لا يوجد قاتل للفلسطينيين مثله من بين رؤساء الحكومات «الإسرائيلية» أو أعضاء ال«كنيست»، وذلك في سياق دفاعه عن الجندي إيلور عزريا الذي أجهز على فلسطيني جريح هو الشهيد عبد الفتاح الشريف في مدينة الخليل العام الماضي، وهي القضية التي وضعت «القضاء «الإسرائيلي»» المزعوم على المحك ليتبين أن لا أهلية له في إنصاف ضحاياه.
يعالون ليس المسؤول الوحيد الذي تفاخر بقتل الفلسطينيين، فقبله فعل إسحق رابين وأرييل شارون وإسحق شامير، وانطبع في سجل كل واحد منهم أنه «مجرم حرب»، ولكنهم يظلون طلقاء في غياب أي ملاحقة دولية. وربما من المفارقة أن هذا التصريح المستفز ليعالون تزامن مع إصدار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي حكماً بالسجن المؤبد على القائد العسكري السابق لصرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش وأدانته بجرائم إبادة جماعية في حق مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، بينما من يعترف على الملأ بأنه قاتل فلا يخضع للمساءلة، وليس هذا فحسب، بل إن واحداً مثل يعالون يبرر لجيشه كل جرائمه، عندما قال إن الجندي «الإسرائيلي» يحمل السلاح وهو مقتنع بأنه ابن «مجتمع في صراع دائم»، ما يعني أن هذا الجندي تحركه عقيدة عنصرية تحصر مهمته في استباحة من يصورون له أنهم «أعداؤه»، وحين عرج يعالون على نفسه قال بجملة واضحة الاعتراف «لا يوجد بين رؤساء الحكومات «الإسرائيلية» أو أعضاء ال«كنيست» من أجبر على أن يقتل أكثر مني».
قادة الاحتلال يعتبرون الجرائم الخطيرة التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين نوعاً من «الدفاع عن النفس»، وقد يجد هذا القول صدى لدى المتواطئين تاريخياً مع «إسرائيل»، ولكن غض الطرف عن عمليات قتل وإبادة عرفتها الأراضي الفلسطينية، يجب ألا يمر دون حساب، ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، ويلاحق مجرمي الحرب في «إسرائيل» كما يلاحق أي مجرم آخر. وأمام دماء الضحايا ليس هناك فرق بين ملاديتش الصربي ويعالون «الإسرائيلي»، فكلاهما سفاح وقاتل، وإذا كان الأول قد حاول التنصل من جرائمه، فإن الثاني اعترف وأقر، وشجع منتسبي جيشه على اتباع سيرته الدموية.
هذا الإقرار غير المستغرب يصدر من بيئة ملوثة تعج بالعنصرية والكراهية، والنخبة الحاكمة في «إسرائيل» اليوم هي الأكثر تطرفاً. وقد عانى الفلسطينيون الكثير تحت سطوتها. وفضلاً عن الانتهاكات المستمرة، لا يمر يوم دون أن تكون هناك مشاريع استيطان جديدة وقرارات بهدم منازل في القدس وقرى الضفة المحتلة. وفي صرخة فلسطينية جديدة، أكدت السلطة الوطنية أن «إسرائيل» بدأت عمليات تهجير واسعة للمواطنين الفلسطينيين من الأغوار، كما تقوم بحملات ترويجية واسعة النطاق لجلب المستوطنين ودعم مخططات التهويد، وذلك في الوقت الذي تمارس فيه الضغوط على الفلسطينيين من كل جانب للقبول بالعودة إلى المفاوضات. وواقع الحال يؤكد أن الطرف المحتل يلتهم كل شيء ويلقي بكل التعهدات والمواثيق، ولا يريد أن يقدم أي تنازلات. ولكي يوحي بأنه «فوق القانون الدولي» لا يستحي من الاعتراف بأنه قاتل، كذلك صرح يعالون، وكذلك يصرح كل مسؤول «إسرائيلي» في سره إن لم يفعل ذلك جهراً.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى