غير مصنفة

طرق شتى نحو الإنسانية

عبد اللطيف الزبيدي

في اللغة، أيّ لسان، مفردات محدودة هي صفوة الصفوة، هي خاص الخاص، هي الجامع الأعلى للإنسانية بأسمى معانيها: المعرفة، العلم، الإيمان (لا بمفهوم المعتقدات). بضع كلمات كليّة تتجاوز أطر الأعراق والأجناس والطوائف والمذاهب والأديان والثقافات والحضارات. يبقى أن السبيل إلى تحقيق الغاية رهن بإيجاد التجاوب والتناغم بين كل تلك المكونات، التي لا تخلو من تنافر وافتعال تناحر.
السؤال: كيف يمكن أن ينعكس هذا الهدف المنشود على مناهج تربية الأجيال؟ سيقدم القلم نموذجين مختلفين تماماً في المنطلقات، لكنهما يلتقيان في الغاية، ما يكسر، بطرافة، القاعدة المعروفة بعدم التقاء الخطين المتوازيين. المثال الأوّل من الهند والآخر من اليابان. اختلاف النهجين يشبه: «وللناس في ما يعشقون مذاهبُ»، وتعانقهما في نهاية المطاف صورة من «كل الطرق تؤدّي إلى روما».
الفيلسوف العارف الهندي جدّو كريشنامورتي (ارتحل 1986)، دعا إلى تحرير «العقل القديم» لدى الإنسان، لأنه موجّه ومسيّر برواسب ماضوية تقيّد حريته واستقلاليته في اتخاذ القرار الحكيم الصائب عن اقتناع واعٍ، وتعرقل تكامله الإنسانيّ. له مقولة ساحرة تشرق كالنجم المستعر الأعظم: «لقد صرنا مجرّد فونوغرافات، تبثّ موسيقى جيّدة، أو موسيقى رديئة، لكننا لسنا الموسيقى يقيناً». منذ عقود رسّخت جامعة السوربون، فكره الفلسفيّ الصوفيّ، في قسم العلوم التربوية. هو يوصي بإدخال الحضارات والثقافات العالمية والأديان، في صميم مناهج التعليم، لينشأ جيل أمميّ يتآخى في رحاب الإنسانية، ويتنزّه عن رذائل الصراعات التي تشده إلى قانون الغاب المطبق بوحشية لا يعرفها الحيوان. منهاجه يدرّس في مدارس كثيرة في كندا، الولايات المتحدة (المحافظون الجدد عُميٌ عنه)، بريطانيا والهند طبعاً وغيرها.
مناهج التربية والتعليم اليابانية، اختارت شق الطريق إلى الأممية الإنسانية على نحو عمليّ إداريّ استثماريّ «بزنسيّ». المدارس في اليابان تحقن أذهان تلاميذها وطلابها بمبادئ الديمقراطية والتعاون بين البشر وعمل الفريق والعلاقات العامة، وتمتين الأواصر الدولية، من خلال التعرف على مكونات الأسرة العالمية، بحضاراتها وثقافاتها وأديانها ونظمها، والمنظمات الدولية إلخ، لأن ذلك يسهّل التفاهم بين بني الإنسان، بالتالي ييسر إقامة الجسور الاقتصادية والتبادل التجاري، فيجني النمو الاقتصاديّ ثماراً لا تحصى. لا شك في أن المستقبل سيكون لهذه الرؤى الحضارية المشعة المتجلية بتنمية التعاضد الإنساني المبدع، الذي لا يضع الحروب المدمرة والنهب والاستغلال البشع على جدول أعمال استراتيجيته. لمثل هذه القيم السامية خلق الإنسان. ما عدا ذلك جاثوم ثقيل زائل.
لزوم ما يلزم: النتيجة التناغمية: نصنع «كوكتيل» من أفكار كريشنامورتي وآراء اليابانيين و«صحتين ع قلب» المناهج العربية.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى