عن كتاب أهملناه
د. حسن مدن
يحدث أن يقبع كتاب على رفوف مكتبتنا دون أن نقترب منه. الكتب مثل الكثير من البشر يمكن أن تضيع في الزحام، فلا يلتفت إليها أحد. في تزاحم الكتب علينا، وبسوء تقدير منا أو إهمال أو نسيان، لا نلتفت إلى الكثير منها.
وحين يحدث، وبالمصادفة وحدها ليس إلا، أن تقع أعيننا أو أيادينا على واحد أو أكثر من هذه الكتب التي «أقصيناها» لأي سبب، ونتصفحه، فيشدّنا، ونجد أنفسنا غارقين في صفحاته، حتى ينتابنا شعور بالندم أو حتى تأنيب الضمير، لأننا تأخرنا في أن نفعل ذلك، وحرمنا أنفسنا مما فيه من متعة وفائدة، وكان من الممكن ألا نلتفت إليه أبداً.
هذا حدث معي قبل يومين وأنا أبحث عن كتاب ما في مكتبتي، وجدت كتاباً بعنوان جاذب، ولكاتب لا أزعم أني أعرفه أو قرأت له من قبل، رغم أنه كاتب مشهور، على الأقل في بلده ومحيطه الجغرافي. و لن أتحدث، اليوم، لا عن الكتاب ولا عن مؤلفه وموضوعه، فسأدع هذا إلى مناسبة أخرى قادمة. ولكن ما أود قوله إن الكتاب كان قيماً، وعميقاً، ويثير أسئلة مهمة، ويقترح إجابات لا تقل أهمية، ويتميز بمنهجية متماسكة، تدّل على تمكن المؤلف من مادته.
على الصفحة الأولى من الكتاب وجدت إهداء لي بالقلم الرصاص لا من مؤلف الكتاب، وإنما من صديق آخر لي أحبّ أن يهديني الكتاب. إنها من المرات النادرة، إن لم تكن الوحيدة، التي كتب لي أحد ما إهداء بالقلم الرصاص. ما كان يجب أن يستوقفني ذلك كثيراً، فالأمر قد لا يعدو كونه آتياً من أن مّن أهداني الكتاب يحب الكتابة بالقلم الرصاص بالذات، أو ببساطة شديدة لأن يده لم تقع حين أراد كتابة الإهداء إلا على قلم رصاص.
في الإهداء جاء التالي: «أتمنى أن ينال هذا الكتاب استحسانكم، رغم أني لا أتفق مع ما جاء في هذا الكتاب». وتذكرت على الفور الصديق الذي أهداني الكتاب. إنه مثقف تونسي متميز كان يقيم في الإمارات، ويعمل مدرساً في عجمان، قبل أن يغادر إلى فرنسا، حيث نال الدكتوراه ليصبح أستاذاً في «السوربون».
حملني ذلك على التفكير في أمور كثيرة دفعة واحدة. بينها أننا ننفق سنوات ونحن حائرون في البحث عن أمور تقلقنا، في الفكر وفي الحياة، فنهتدي، وأحياناً بالمصادفة الصرفة وحدها، إلى كتب أو كُتّاب يسعفوننا في التغلب على حيرتنا، لأن طريقهم إلى المعرفة كان أسرع وأكثر وضوحاً، وإذ نغبط أنفسنا على ذلك، ربما نلومها لأننا تأخرنا في الاهتداء إليها.
هذا أمر، وأمر ثانٍ نصوغه على شكل سؤال: كم في بطون الكتب التي تجاهلناها من أجوبة على ما يحيرنا؟
madanbahrain@gmail.com