المصالحة تصطدم بالانقسام مجدداً
حافظ البرغوثي
انكفأت مفاوضات المصالحة الفلسطينية إلى المربع الأول وسادت التراشقات الإعلامية بين فتح وحماس حتى قبل حوار القاهرة الأخير، حيث ارتفعت أصوات في حماس تتهم فتح بالتملص من استحقاقات المصالحة، وجرى أثناء حوار القاهرة تسريب تصريحات على لسان صلاح البردويل تنتقد بشدة مسؤولين في فتح، خاصة عزام الأحمد، واللواء ماجد فرج رئيس المخابرات الفلسطينية.
حماس في حوارات القاهرة كانت تتحدث باسم حلفائها وهم الجهاد الإسلامي، وتيار من الجبهة الشعبية، وتيار من الجبهة الديمقراطية، ولفهم المشهد أيضاً هناك تصارع قوى داخل حماس بين مؤيدي المصالحة وبين معارضيها، ويبدو أن التيار المناوئ ليحيى السنوار اكتسب قوة برفعه شعار الحرص على موظفي حكومة حماس، وعدم المس بأي منهم ودفع رواتبهم من خزانة السلطة التي لا يتبعون لها قانونياً. وتقول فتح إن الحكومة لم تستطع حتى الآن ممارسة أية صلاحية في غزة لأن تسليم الوزارات كان شكلياً من دون أي مضمون، وما من وزير يداوم هناك، وما من شرطي تابع للسلطة هناك، باستثناء من يتواجدون على المعابر ودورهم لا يتعدى تمرير المسافرين من دون أية صلاحيات لأن حركة حماس هي التي تعد قوائم المسافرين أيضاً.
فشعار تمكين الحكومة لم يتحقق مطلقاً، وتطلب حركة حماس من فتح توفير الكهرباء مع أن السلطة هي التي تسدد فواتير كهرباء غزة للاحتلال منذ الانقسام وتطالبها، أيضاً بوقف ما أسمته الإجراءات العقابية كاقتطاع بعض العلاوات من موظفي فتح ووقف رواتب بعض موظفي ومسؤولي حماس، ووقف الإحالة إلى التقاعد، وهو قرار شمل موظفي فتح في الضفة وغزة على حد سواء. عملياً، بات الموظفون مبرراً للسجال الإعلامي، وتم تجاهل القضايا الأساس ربما لأن دخول قطر وتركيا أعطى المعارضين دفعة قوية في وجه السنوار الذي تعتبره مصر رجلاً صادقاً وجدياً، ويريد حل مشاكل غزة بطريقة مغايرة للقادة من قبله الذين حاولوا فك ارتباط غزة بمصر، والضفة. فالسنوار عندما تسلم منصبه، بل عندما خرج من السجن في صفقة شاليط وجد فساداً مستشرياً في أوساط حماس، وشكل لجنة تحقيق مع بعض المتنفذين لكن الملف كان كبيراً، وسبب له عداوات داخلية وحاول قطع دابر الاختراقات «الإسرائيلية» للتنظيم، فعثر على ما لا يسر من اختراقات. استنتج بعدها أن حكومة حماس لا تقدم شيئاً للشعب، ولا حلولاً للمشاكل، بل صارت هي المشكلة نتيجة فرضها ضرائب على الناس من دون أن تقدم خدمات، ولهذا تلقف دعوة مصر للمصالحة مع فتح لأنه يريد حلاً. لكن حساباته لا تتفق مع حسابات غيره ممن اغتنوا وتبوأوا المناصب، وكدسوا المكاسب من الانقسام.
حركة فتح من جانبها، لا تريد مصالحة من خلال تيار في فتح يجلب مشاريع وأموالاً ويمارس عمله تحت عينها. ويبدو أن هذا التيار يريد من حكومة رامي الحمد الله أن تعمل كصراف يدفع المال، وتقدم الخدمات وتفتح المعابر تحت سلطتها، وبواسطة حكومتها المعينة من جانبها. وهذا الوضع لا يصلح لإدارة شؤون اكثر من مليوني نسمة توقف نموهم الاقتصادي والتواصل مع العالم الخارجي منذ الانقلاب.
ويمكن بشيء من المحبة المتبادلة، وبعيداً عن المؤثرات الخارجية والمصالح الفصائلية الضيقة إيجاد حلول لكل المعضلات إذا تم اعتماد مبدأ تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفصائلية، لأن المصالحة ليست محاصصة بين الفصائل، بل شراكة في تحمل أعباء المرحلة، وحل مشاكل غزة. فليس هناك أسهل من حل مشكلة موظفي حماس باستقطاب من به حاجة، وإحالة دون ذلك للتقاعد، وتدبير جهات لدفع رواتبهم. وبخصوص سلاح المقاومة الذي لم يثر في أية جلسات، بعكس ما يدعيه بعض قادة حماس، يجب أولاً وجود ضمانات بعدم استخدامه ضد أية شريحة من الشعب، وكذلك يجب الاتفاق على عقيدة عسكرية موحدة، أي أن يكون السلاح لحماية غزة، وليس غير ذلك، وليس لشن هجمات تفضي إلى كارثة، كما حدث في السابق، أي أن يكون القرار جماعياً في السلم والحرب. كما أن حماس مثلما تحافظ على التهدئة، وتوجه رسائل إلى «إسرائيل»، أما مباشرة، وإما عن طريق طرف ثالث فهي والسلطة سواء حتى في البرنامج السياسي، فعلام الاختلاف؟
مختصر القول، بقليل من المصارحة بعيداً عن الإعلام وبكثير من الود المتبادل يمكن حل المعضلات، اللهمّ إلا إذا كانت القلوب مملوءة بالكره، عندها لا حول ولا قوة إلا بالله.
hafezbargo@hotmail.com