موجابي و«الوداع الذهبي»
فتح العليم الفكي
بدأت تتكشف شيئاً فشيئاً تفاصيل الصفقة التي تمت بين قادة الجيش في زيمبابوي والرئيس روبرت موجابي، والتي بموجبها أعلن الأخير تنازله عن السلطة بعد حكم استمر قرابة الأربعة عقود أذاق فيه شعب زيمبابوي الأمرّين.
وكشفت صحيفة «جارديان»البريطانية أن موجابي سيحصل وزوجته جوتشي جريس على «وداع ذهبي» يقدر بما لا يقل عن عشرة ملايين دولار، علاوة على قصر منيف، كما سيحصل على راتب تقاعدي شهري حتى وفاته يصل إلى 150 ألف دولار، بخلاف تكاليف الرعاية الطبية، والإجازات، والسفر إلى الخارج، والموظفين المحليين، وطاقم الحراسة الأمنية.
وشملت الصفقة أيضاً، حصول موجابي على حصانة من المحاسبة على كل ما تم اقترافه من جرائم، وقمع للمعارضين خلال فترة حكمه التي امتدت 37 عاماً. ليس هذا وحده، بل منح زوجته غريس أيضاً الحصانة من المحاسبة رغم الاتهامات الكثيرة لها بالفساد السياسي، والمالي، وتدخلاتها التي كانت سبباً في تدخل الجيش واستيلائه على السلطة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان تعنت موجابي، ورفضه الاستقالة سيطيح الانقلاب؟ أم أن الانقلاب يعتبر امتداداً لحكمه؟
يبدو واضحاً أن موجابي الذي قيل أنه بكى، وأبدى فجيعته في الخيانة التي جاءت من ضباطه، لم يكن في مقدوره فعل أي شيء لوقف سقوطه، حيث تخلت عنه الأذرع الثلاث التي كان يعتمد عليها في حكمه: الجيش، والحزب «الجبهة الوطنية -زانو»، والمحاربون القدامى الذين خاضوا معه كل معاركه، وأدرك أن ساعة الرحيل قد أزفت، وأنه لا مجال للمناورة، فوافق على كتابة خطاب التنحي يوم الثلاثاء الأسبق في وقت كان الحزب الحاكم قد شرع في إجراءات عزله.
إن شعب زيمبابوي يتطلع إلى عهد جديد، تصان فيه كرامة المواطن ويسود فيه حكم القانون، ومواجهة الفساد، وتردّ فيه الحقوق إلى أصحابها.
وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد أيمرسون منانجاجوا أكد في خطاب تنصيبه يوم الجمعة الماضية، على التسامح، وأشاد بموجابي، وقال لنقبل ونعترف بمساهمته الكبرى في بناء أمتنا، وتعهد بإعلاء شأن الديمقراطية، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بأن رئاسته ستكون امتداداُ لحكم موجابي، خاصة أنه كان شريكاً له لسنوات، وأن الامتيازات التي منحت للرئيس السابق الذي ترك بلداً محطماً، اقتصاده منهار، وشعبه يعاني الفقر والمسغبة، والفساد يعشش في كل أجهزة الدولة، لا تبشر بأن الحكم الجديد سيحدث قطيعة كاملة مع الماضي بكل مآسيه.
إن «التقاعد المريح» الذي حصل عليه موجابي لا ينبغي أن يقف حائلاً دون تحقيق العدالة، كما لا ينبغي حرمان الذين تضرروا من الحكم السابق، وفقدوا أعزاء لهم من اللجوء للقضاء لإنصافهم واسترداد حقوقهم، خاصة أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
alzahraapress@yahoo.com