شادية صانعة الفرح
د. حسن مدن
في كل مرة يغيب فيها وجه من تلك الوجوه التي أضاءت العصر الذهبي في تاريخ السينما والغناء العربيين، والتي لم تتكرر حتى الآن، ينتابنا الإحساس بأننا نفقد فلذة من ذاكرتنا الفنية، التي شكلت ذائقتنا وفرحتنا ومحبتنا للحياة، وليس من باب الاستهانة بنجوم اليوم، يظل القول صحيحاً إن هذه الوجوه، التي تغادرنا، وجهاً وراء آخر، هي نسيج ذاتها، وليس من السهل أبداً أن تتكرر، أو نعثر على نظراء لها، ليس فقط لما كانت عليه من تميز وموهبة، وإنما لأن المرحلة التي أفرزتها كانت بيئة خصبة لكي تتفتح فيها تلك المواهب وتبدع وتصنع من حولها الفرح.
المطربة والممثلة القديرة شادية (فاطمة أحمد كمال شاكر) هي وجه رائع آخر يغادرنا، ليشيع رحيلها حالة من الوجوم والأسى، في مصر وفي العالم العربي، لأنها، غناء وتمثيلاً، عنت الكثير لأجيال، طالما أبهجتهم، وزرعت الفرح في نفوسهم، والابتسامة على محياهم، ورغم أن شادية اعتزلت الغناء والتمثيل منذ 31 عاماً، وتوارت عن الأنظار كلية، إلا أن أغانيها وأفلامها ظلت شاهدة على حضورها، الذي سيزداد إشعاعاً بعد رحيلها، ولم يكن موتها مناسبة لتذكرها، لأنها حاضرة في البيوت كل يوم، بما تبثه الشاشات من أغانٍ وأفلام لها، ما زالت تفعل الفعل نفسه في النفوس، لا عند من عاصروا تلك المرحلة وحدهم، وإنما لدى أجيال اليوم أيضاً.
من بوسعه أن ينسى أغاني مثل: «قولو لعين الشمس ماتحماشي»، «خلاص مسافر»، «رنة خلخالي»، «شباكنا ستايره حرير»، «غاب القمر يابن عمي»، «آه يا اسمراني اللون»، «عنب بلدنا»، «الدرس انتهي لمو الكراريس»، «قالي الوادع»، ناهيك عن أغانيها الوطنية في حب مصر، وأشهرها وأجملها، على الإطلاق، أغنية «ياحبيبتي يامصر»، من كلمات محمد حمزة، وألحان المبدع بليغ حمدي، وغيرها من الأغاني التي لن تغيب عن وجداننا أبداً، وستظل تعيدنا إلى ألق زمنها، لكنها ستعيش في المستقبل أيضاً.
وليست الأغاني وحدها ما سيبقي شادية حاضرة أيضاً، إنما الأفلام التي مثلت فيها، فاستحقت أن تكون، وبجدارة، فنانة شاملة، ميّزها عن الكثيرات من مجايلاتها خفة الدم وجمال الروح ورشاقة الحضور، ما جعلها توصف ب«دلوعة الشاشة»، التي أسرت قلوب المشاهدين والمستمعين.
في الخمسين من عمرها فقط، قررت اعتزال الفن. كان ذلك خبراً صادماً في حينه لجمهورها ومحبيها. قيل إن لاكتشافها إصابتها بالسرطان أثراً كبيراً في دفعها نحو هذا القرار، فآثرت الابتعاد عن الأضواء، ولكن ينسب إليها قولها، يومذاك: «لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعوّد الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا لن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء».
madanbahrain@gmail.com