النموذج العملي قدوة
عبد اللطيف الزبيدي
ماذا لو أطلقنا العنان لحديث الأمس «رؤيا خيمة السميح»، ورأينا الرؤيا على شاشة تخيّليّة أكبر؟ ماذا لو ظهر على الساحة العربية المترامية الأطراف، في زاوية ما، بعيداً من الأضواء والضوضاء، رجلان مخلصان، وأومض في ذهنيهما حلم جمع الشتات العربي؟
المعضلات الكبرى لا تغيب عنها الآمال والأحلام، وإلاّ لكان الكون قد خُلق من دون شموس، ولكانت الأرض من دون ماء، ولكانت الحياة محالاً. الإرادة التي لا تعرف المستحيل هي إذاً الغاية المنشودة. سيقول أهل الإحباط إن النظام السياسيّ لدولة الإمارات غير قابل للتطبيق في الأوضاع الجيوسياسية المعقدة التي تعتري العالم العربيّ اليوم. لكن أصحاب الإرادة يقولون إن المعجزة ليست سوى أحد الحلول الممكنة، وإلاّ ما كان لها أن تتحقق إطلاقاً، فإمكان حدوثها برهان على أنها ممكنة. نحن نبحث عن أرخميدس الذي يصيح بالعرب: وجدتها.
يجب الاعتراف بأن صعوبة تطبيق النموذج الإماراتي تكمن في غياب عناصر لا علاقة لها بوفرة الإمكانات المادية، ففي البدء كانت كلمات الإرادة، النوايا الحسنة، الحلم بمستقبل أفضل، التفاؤل بأن المنطلقات المتواضعة أساس للبناء وما إليها. معنى ذلك أن المشكلة اليوم تكمن شياطين تفاصيلها بصراحة، في عدم توافر المصابيح السحرية لتلك المفردات، التي تتلخص في الطاقة الروحية التي تشع فتولد شمس المشروع وتبعث الحياة، التي تكون كائناً حيّاً يولد صغيراً ثم ينمو. العالم العربيّ ينتظر انبثاق الفكرة التي تجعل الشعوب ترى الطاقات البشرية والثروات المادية والمعنوية التي كانت ظلمات الأوضاع تحجبها عن العيون.
يقيناً، يجب ألاّ تكون تلك الطاقة الروحية إيديولوجية، وإلاّ أدى الأمر إلى هياج عش دبابير أحزاب وتكتّلات وتنظيمات وتيّارات متنافسة متنافرة، تلسع ولا تنتج العسل. لقد شهد العالم العربيّ ألف ظاهرة حزبية فاشلة تنمويّاً. الفكرة الوحيدة التي تستطيع أن تؤسس للتشابك الإيجابيّ والترابط العضويّ بين الشعوب، هي التنمية الشاملة المنفتحة على العصر. التلاحم في القاعدة يوجد حتماً الأواصر المتينة في المصالح العليا. نموذج الإمارات قطع هذه المسيرة في لمح البصر، فحقق الاتحاد التكامل، مع انتهاج كل إمارة نهجاً تنموياً خاصاً بها، وظلت الإيديولوجيا الوحيدة هي حسن النوايا والإرادة التنموية: الإدارة الفائقة للاتحاد تتجلّى في التنوع، والوحدة في التعددية. عظمة الفكرة في بساطتها وقابليتها العملية للنمو.
لزوم ما يلزم: النتيجة النموذجية: هدية الإمارات إلى العالم العربيّ هي أن التنمية الشاملة أهم من أن نضيعها في الاختلاف على الشعارات.
abuzzabaed@gmail.com