استراتيجية ترامب المفقودة لكوريا الشمالية
كريستوفر روبرت هيل*
من المؤكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه حق عندما يشكو من أنه ورث مشكلة كوريا الشمالية الصعبة، حيث إن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج – أون لم يبد أي اهتمام بالتفاوض أو حتى الاستماع إلى ما يقوله أي شخص عن سعيه المتهور للحصول على الأسلحة النووية والصواريخ الطويلة المدى اللازمة لإيصالها.
ولكن حقيقة أن ترامب ورث المشكلة، لا يعفيه من مسؤولية التصدي لها حيث فشل حتى الآن في وضع استراتيجية ناهيك عن تطبيقها للتعامل مع كوريا الشمالية وقد كان إنجازه الوحيد بعد عام تقريباً من رئاسته هو فرض عقوبات إضافية في الأمم المتحدة، والأسوأ من ذلك أن شكواه المريرة عن أسلافه تشير إلى أنه ليس لديه فكرة عما يجب القيام به بعد ذلك.
لقد جاءت محاولة ترامب الأخيرة لمعالجة هذه المشكلة، عندما أعلن بشكل صاخب أن إدارته ستعيد كوريا الشمالية إلى قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وكان قراره رمزياً إلى حد كبير وإن كان مبرراً على ضوء سلوك كيم وهو قرار يشبه قرار الرئيس السابق جورج بوش الإبن في أكتوبر/تشرين الأول 2008 بإزالة كوريا الشمالية من تلك القائمة.
ويدعي البيت الأبيض لترامب أن إعادة تسمية كوريا الشمالية كدولة راعية للإرهاب تعتبر «خطوة حاسمة» وهذا غير صحيح؛ فالخزانة الأمريكية لا تتطلب حتى هذا التصنيف لصياغة عقوبات إضافية.
إن الدول الراعية للإرهاب غير مؤهلة للحصول على الدعم العسكري الأمريكي والذي لم يكن ممكناً على أي حال بالنسبة لكوريا الشمالية كما أن الولايات المتحدة ممنوعة بحكم القانون من دعم أي قروض أو أي أشكال أخرى من المساعدات المقدمة إلى الدول الراعية للإرهاب من قبل المؤسسات المالية الدولية التي تعد الولايات المتحدة عضواً فيها، ولكن كوريا الشمالية ليست عضواً في أي مؤسسة مالية دولية.
ومع ذلك وحتى كبادرة رمزية، فإن سياق قرار بوش بإزالة كوريا الشمالية من القائمة كان مختلفاً تماماً عن قرار ترامب بإعادة إدراجها فيه، ففي عام 2008، كانت كوريا الشمالية قد استوفت شروطاً معينة. أولاً، وافقت على المشاركة في المحادثات السداسية مع الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة (والتي قمت بتمثيليها كمساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ) وكان الهدف الصريح للمحادثات هو نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية وكانت النتيجة إغلاق كوريا الشمالية لمرفقها النووي في يونجبيون.
وعلاوة على ذلك، كانت كوريا الشمالية في وقت رفع اسمها من القائمة تشارك أيضاً في محادثات لإنشاء نظام للتحقق من أنشطتها النووية، وقد دعا النظام مفتشين دوليين إلى يونجبيون وقدم سجلات جوهرية لعمليات مفاعل يونجبيون والتي لا تزال واحدة من أكثر الموارد دقة لقياس كمية البلوتونيوم المنتجة فعلاً هناك.
وفي ذلك الوقت، وافقت كوريا الشمالية على تفجير برج تبريد مفاعل يونجبيون من أجل أن ترد جميل الفعل الرمزي للولايات المتحدة بعمل رمزي مشابه، وبالطبع كانت تلك صفقة جزئية ولكن ترامب كان سيقبلها بأقصى سرعة لو تم عرضها عليه.
وفي وقت لاحق، بدأ الاتفاق في الانهيار وذلك بسبب رفض كوريا الشمالية الثابت للاعتراف بأنه كان لديها برنامج، في الماضي أو الحاضر، لتطوير المواد الانشطارية عن طريق اليورانيوم عالي التخصيب حيث فشل النظام في شرح المشتريات الدولية من المعدات بما يتفق مع مثل هذا البرنامج، وقد أثارت عينات من المواد المتخصصة التي تم تقديمها من قبل النظام إلى الدبلوماسيين الأمريكيين مزيداً من الشكوك لديهم.
وبعد توقف دام عدة سنوات، عاد مفاعل يونجبيون النووي للعمل مرة أخرى. ومن الجدير بالذكر أن جميع التجارب النووية الست التي أجرتها كوريا الشمالية منذ عام 2006 تتفق مع البلوتونيوم المحصود من المفاعل قبل المحادثات السداسية، ومما لا شك فيه أن إمكانية قيام كوريا الشمالية بتشغيل مرفق لليورانيوم عالي التخصيب في مكان ما، في مشهدها النفقي أمر يبعث على القلق البالغ ولكن يونجبيون، على عكس أولئك الذين جادلوا بأنه كان في مراحله الأخيرة، كان يشكل دائماً خطراً واضحاً وحاضراً.
وحقيقة أن ترامب يمكنه أن يضع كوريا الشمالية مرة أخرى على قائمة الإرهاب مع ضجة بيروقراطية قليلة، ومن دون تداعيات دولية تقريباً تفسر لماذا تعد القائمة عقاباً من المفيد أن يبقى تحت تصرف الولايات المتحدة وأن معيار إلغاء التسمية – أي انعدام الأعمال الإرهابية أو التعاون مع الجماعات الإرهابية في الأشهر الستة الماضية – يتسم بالمرونة الكافية بحيث يمكنه بسهولة استخدام الخروج من القائمة كأداة تفاوضية. وبالمثل، يمكن إعادة التسمية عندما تستدعي الظروف ذلك – مثلما خطط كيم لاغتيال أخيه غير الشقيق في مطار ماليزي.
سوف يتطلب حل مشكلة كوريا الشمالية جدية في الهدف ومستوى عالياً من الانضباط الذي لم يظهره ترامب، علماً أن السياسة الفعالة تتطلب التعاون مع الصين وليس إغداق الرؤساء الصينيين بالمديح، وينبغي أن يقوم هذا التعاون على أساس التزام طويل الأجل وليس على معاملات لمرة واحدة، وربما الأهم من ذلك أنها تتطلب تواصلاً يومياً ليس فقط مع الصين ولكن مع جميع أصحاب المصلحة الإقليميين الآخرين أيضاً.
إن هذه السياسة سوف تستفيد من وجود وزير خارجية أمريكي يلتزم بالحفاظ على فريق من المهنيين الدبلوماسيين ذوي الخبرة ومن اعتراف ترامب ومستشاريه بأن البناء على جهود الأسلاف هو أكثر فعالية من اتهامهم بأنهم جعلوا العمل أكثر صعوبة ومع الأسف إن هذا الدرس الأخير لا يزال بعيداً عن هذه الإدارة.
*مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشرق آسيا وهو عميد كلية كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر ومؤلف كتاب «القاعدة الأمامية». وينشر المقال بترتيب مع «بروجيكت سنديكت»