القدس بداية ونهاية
يونس السيد
قطع ترامب اي تأويلات بشأن مواقفه المتعلقة بالقدس، والتي توجها بالاعلان عن نقل السفارة الأمريكية إليها من «تل أبيب»، والاعتراف بها عاصمة ل»إسرائيل»، ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق والشرائع والقوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة، وتاركا الباب مفتوحا على كل الاحتمالات بما في ذلك امكانية إشتعال حريق وربما حرائق يصعب إخمادها؛ لأن نيرانها لن تقتصر على فلسطين وحسب؛ بل ستمتد إلى المنطقة والعالم.
القدس ستظل دائماً هي العنوان.. وهي مفتاح الحرب والسلام.. وهي البداية والنهاية لكل شيء، سواء أكان تسوية أو عملية سياسية أو غير ذلك، ليس لأنها تعد حقاً شرعياً وقانونياً وتاريخياً لأصحابها الأصليين، وأصحابها هنا لا تعود على الشعب الفلسطيني وحده؛ بل على جميع العرب والمسلمين، باعتبارها وقفاً إسلامياً كما هي الحال في فلسطين كلها، وبالتالي فإن تجاوز هذا الحق أو محاولة العبث به أو الالتفاف عليه، لا يترك مجالاً للحديث عن تسويات أو غيرها، وواشنطن تدرك ذلك جيداً؛ على الرغم من انها تستعد للاعلان عن «صفقة القرن»، التي يجري التحضير لها مطلع العام المقبل؛ فهل كانت ادارة ترامب تعتقد انها بهذا الخرق الخطير لحقوق الفلسطينيين والعرب والقوانين الدولية يمكنها الضغط على الفلسطينيين؛ للقبول بخطة التسوية الأمريكية.
لكن حتى في هذه الحالة، ووفق الملامح التي ترسمها خطة ترامب والتي تتحدث عن قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة على قطاع غزة ونصف مساحة الضفة الغربية، وحتى الأحاديث المتواترة عن توسيع مساحة قطاع غزة باقتطاع أجزاء من سيناء لحل مشكلة الكثافة السكانية أو توطين اللاجئين، مع بقاء الأمن والحدود والأجواء تحت السيطرة «الإسرائيلية»، فان الخطة تبدو غير منطقية، وستظل مرفوضة فلسطينياً، ولا تملك أي قيادة فلسطينية حق القبول بها. واذا اخنا بعين الاعتبار في المقابل، أن إدارة ترامب تعتقد أن قيام دولة فلسطينية مستقلة في إطار حل الدولتين على الأراضي المحتلة عام 1967 مسألة مرفوضة «إسرائيلياً»؛ لأن الكيان هو الطرف الأقوى، فإنها تضغط باتجاه دولة فلسطينية ناقصة السيادة، مركزها غزة يصار إلى ربطها مع ما تبقى من الضفة تحت السيطرة «الإسرائيلية» الكاملة، وهي خطة جوهرها اقتصادي يهدف، وفق التسريبات، إلى تأمين عشرة مليارات دولار لإقامتها، وتحويلها إلى منطقة سياحية يمكنها توفير العمل للسكان، مع تأجيل قضايا المرحلة النهائية كالحدود والقدس واللاجئين إلى مراحل لاحقة، مقابل تطبيع العلاقات مع المحيط العربي والإقليمي.
ببساطة نقول إن الجانب الفلسطيني يدرك، بدوره، أن أي حلول مؤقتة ستكون حلولاً نهائية، وأنه لا يملك الموافقة على مثل هذه الحلول، وبالتالي فإنه يضع نفسه في موقف معقد وصعب، فإما أن يتحمل مسؤولية مواجهة مثل هذه الضغوط، وإما أن يقبل بصفعة التاريخ، وهي مسؤولية أكبر بكثير من أن يقوى على احتمالها.
younis898@yahoo.com