سينما أول مرة
د. حسن مدن
في مذكرات شخصية ثقافية معروفة من بلدٍ عربي ناءٍ، ورد حديث طريف عن اكتشافه لعالم السينما لأول مرة، فقبل نحو سبعين عاماً، وربما أكثر، ولم تكن السينما قد دخلت بعد الكثير من البلدان العربية، سافر الفتى الغض، الذي كانه هذا الرجل، رفقة زميله، أو أحد أقاربه للقاهرة، وهناك أحبّ أن يكتشف هذا العالم السحري الذي اسمه السينما، بأن اشترى هو ورفيقه تذكرتين لدخول عرض في أول سينما صادفاها ليس بعيداً عن محل إقامتهما.
لم يكن العرض قد بدأ بعد، حين ولجا القاعة التي كانت لما تزل مضاءة، ويبدو أن موسيقى، أو أغنية ما كانت تبث بانتظار بدء العرض، فيما المشاهدون يتوافدون لأخذ أماكنهم، وما إن أطفئت الأنوار، وتوقفت الموسيقى، حتى حسب الشابان الغران أن ما استمعا إليه من موسيقى هو كل ما تقدمه السينما، وأن إطفاء الأنوار لم يكن سوى إعلان نهاية العرض، لا بدايته، فغادرا القاعة منسلين.
تذكرتُ هذا وأنا أقرأ كتاب الروائي والناقد السينمائي المصري سعد القرش، والموسوم «في مديح الأفلام»، الذي بدأه بتذكر أول مرة شاهد فيها فيلماً في حياته، عندما كان صبياً ربما في عمر الفتى العربي الذي أتى القاهرة وقصد السينما. ويذكر القرش كيف أنه استقل «أوتوبيس» النقل العام من قريته قاصداً مدينة المحلة في دلتا مصر، وفي جيبه بضع «قريشات» تحصل عليها، لأن اليوم كان يوم عيد الفطر.
وشرح توجساته وهو يجلس على الكرسي داخل القاعة أول مرة، خوفاً من أن يسرق أحد ما تبقى من قروش لديه، أو أن يتسلى أحدهم بإطفاء سيجارته في جلبابه الجديد، وهي هواجس أضعفت من تركيزه في متابعة الفيلم.
يقول سعد القرش: إن السينما هي المكان العام الوحيد الذي كان يسمح فيه للفتاة المخطوبة مرافقة خطيبها إليه، وهو يستحضر أغنية شهيرة تجسّد هذه الفكرة تغنى في أفراح الأعراس، يقول مطلعها: «يا عريس يا قيمة، خدها وروح السيما».
وأنا أقرأ أيضاً حضرتْ في ذهني ذكرى المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى السينما، وكان ذلك في منتصف ستينات القرن الماضي، وكانت سينما مكشوفة، لا سقف لها، كما هو حال أولى دور السينما في البحرين، آنذاك. وأذكر أن الفيلم كان كوميدياً من بطولة فريد شوقي، وأذكر أيضاً أن ثاني فيلم شاهدته كان هندياً في سينما اللوللؤ في حي النعيم اللصيق بالمنامة العاصمة، وكانت، هي الأخرى، مكشوفة، وكم كنت مسحوراً بالأغاني والرقصات الهندية التي تغطي مساحة واسعة من الفيلم.
ما رأيكم لو حاول كل منكم تذكر المرة الأولى التي ذهب فيها إلى السينما، واستعادة الانطباعات والأفكار التي استحوذت عليه وهو يقبع في الظلمة متابعاً رجالاً ونساء بكامل قاماتهم يتحركون أمامه على الشاشة؟
madanbahrain@gmail.com