محاولة تقويم واستشراف
عبد اللطيف الزبيدي
كيف نفهم هذا اللغز؟ ثمة تناقض غريب بين قوّة الآلة العسكرية، التقدّم العلميّ في المعرفة النوويّة، النانوتقانة، مراكز البحث العلميّ، الدراسات في جميع الميادين، العلاقات الواسعة مع الدول المتقدّمة، وغيرها، وبين الحماقات السياسيّة، الاستهانة بالشعوب، الاغترار بأن القوّة تكفي لفرض الأطماع الجائرة، فصارت مكاسب السطو «حقاً» مستحَقاً.
بهذا التوصيف نحاول فهم وضع «إسرائيل» حاليّاً، واستشراف مستقبلها في الشرق الأوسط. من السذاجة الاعتقاد أنها كانت مشروعاً «إسرائيليّاً»، بدليل أن خيارات أخرى كانت مطروحة في غير فلسطين التاريخية. أمّا الحقائق التاريخية، فعلى العربيّ أن يدع سردها لأستاذ التاريخ «شلومو صاند»، اليهوديّ «الإسرائيليّ»، صاحب كتاب «اختراع الشعب اليهودي». لقد شهد شاهد من أهلها أن النفي والتهجير والتشتيت الجماعيّ خرافة. الحقيقة الوحيدة هي أن العبرية لغة ساميّة، وأن اليهود هم من المكونات السكانية في الشرق الأوسط. إذا كان لديهم إصرار على الميراث التاريخيّ، فما عليهم إلاّ أن يكونوا أقليات متناثرة في المواطن القديمة. قد يكون للعلم القول الفصل: الحمض النوويّ يستطيع أن يأتي بالمفاجآت. الكثير منهم ينتمون إلى أصول أخرى، اعتنقوا الديانة اليهودية، من بينهم من يرجع إلى أمازيغ الشمال الإفريقي. «إسرائيل» إذاً، استعمار بالوكالة، لا أكثر. المنطق يقضي بأن ما تفرضه القوة لا يقبله العقل. يظل مؤجلاً إلى حين تغيّر موازين القوة وتحقّق العدل.
القوى العظمى خاطبت العرب بما يفهمون، طبّقت عليهم القاعدة النحوية: «إن ساكنان التقيا يحذف ما سبق». تقرر حذف الفلسطينيين ثمّ صار حق العودة محظوراً. ألغيت حدود قرار التقسيم 47، صارت قرارات الأمم المتحدة في المهملات. باتت حدود 67 أضغاث أحلام. حتى كاريكاتور الخريطة، المتبقية على هيئة نقاط مبعثرة، إن رضيت بها السلطة كدولة قابلة (قابضة) للحياة، لم يرض بها الغاصبون، التوّاقون إلى رؤية القطرة الأخيرة في مسيرة ذوبان كرة الثلج منذ وعد بلفور. القضية ذابت، في انتظار التبخر الأخير في «صفقة القرن»، التي لا يعرف حتى الشعب الفلسطيني شيطان تفاصيلها.
لنسأل عقل فلسفة التاريخ: هل هذه المسيرة دليل على الذكاء الخارق لدى «إسرائيل» ومن وقف وراء المشروع غير المشروع؟ هل هذه مقدمات وممهدات لمعادلة، غير عادلة، قابلة لضمان الأمن والاستقرار؟ هل هذا أساس مقبول عاقل وحكيم تبني عليه «إسرائيل» مستقبل أجيالها؟ إذا كان هذا حكمة وعقلاً وحسابات مستقبلية، فما هو الغباء والجنون والتهور؟ إذا توهمت أن ضعف العرب دائم، فإنها ولا شك متوهمة أن قوتها خالدة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة المعرّية: «وما تريد بدار لست مالكها.. تقيم فيها قليلاً ثم تنطلقُ؟».
abuzzabaed@gmail.com