الوجه الآخر للاغتيال
خيري منصور
ليس دقيقاً اقتران الشجاعة باليأس. والأدق هو الجنون وفقدان الرشد، واليائس الذي يستنفد أوراقه كلها، ويحصد الفشل تلو الفشل تتكون لديه قناعة بأن الوداع قريب، وعليه أن يحشد ما تبقى من قوته كي تكون الضربة قاضية، وهي بالفعل قاضية؛ لكن عليه وليس على خصومه!
والاغتيال غالباً ما كان تعبيراً عن يأس سياسي؛ لأنه يرجح تصفية الحسابات الشخصية على الحسابات السياسية، ومن يشرعن الاغتيال للآخرين عليه أن يهيئ نفسه ليكون ضحية شريعته والتي تقل كثيراً عن شريعة الغاب؛ لأن الحيوانات قلما تقتل بعضها لأسباب لا علاقة لها بالجوع أو الخوف والدفاع عن النفس؛ لكن الإنسان يفعل ذلك، وكما أن أشهر من اخترعوا أدوات التعذيب والسموم كان لهم نصيب منها وتجرعوها ولو بعد حين، فإن بندقية من يمارس الاغتيال كما رسمها فنان ألماني ذات فوهتين إحداهما تتجه إلى الضحية والأخرى إلى صدر القاتل، ومن لجأوا إلى الاغتيالات في الأزمات والصراعات السياسية لم يكن لديهم ما يفعلونه فانتحروا؛ لكن من خلال اغتيال خصومهم؛ لأن هذه الثقافة أو التقاليد عندما تنتشر لا يسلم منها أحد، تماماً كالحروب الأهلية التي تنتهي بخسائر موزعة بالتساوي بين الأطراف المتحاربة.
ومن شاهدوا لوحة غورنيكا الشهيرة لبابلو بيكاسو عن الحرب الأهلية الإسبانية أو ما رسمه الفنان غويا عن رجلين يتحاربان بينما تغوص سيقانهم في دوامة يدرك أبعاد هذه المأساة التي يراها البعض مجرد أحداث متباعدة لا يربطها سياق، بينما يراها المبدع بانوراما شاملة لكل الزوايا والأبعاد!
وقد ثبت بالتجارب ومن خلال تكرارها أن الاغتيال ينتجه اليأس خصوصاً في المجال السياسي؛ لأن من لديه حلم بالاستمرار وإقناع الناس بأطروحاته يتجنب مثل هذا العنف ذا الحدين ويدرك أن بندقية الاغتيال هي بالفعل ذات فوهتين وعليه أن ينتظر دوره في هذه التبادلية المجنونة!