ترامب والقدس
د. حسن مدن
في استخفاف بالعرب جميعاً، وبالقضية الوطنية العادلة للشعب الفلسطيني، وضرباً حتى بالحدود الدنيا من القيم الأخلاقية التي يجدر أن يتحلى بها رجل السياسة، مهما كان براجماتياً، نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما كان وعد به «إسرائيل»، واللوبي الصهيوني القوي الداعم لها في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن أقرّ الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، واتخذ قراره بنقل السفارة الأمريكية إليها.
تبددت كل الأوهام التي حاول البعض إشاعتها من أن ترامب يمكن أن يعدل عن توجهه هذا، بالقول إن هناك فرقاً بين دونالد ترامب المرشح للانتخابات الذي كان يطلق الوعود الانتخابية يمنة ويسرى، ودونالد ترامب وقد أصبح رئيساً، لأن الكثير من وعوده غير قابل للتطبيق في دولة مؤسسات، مهما كانت صلاحيات الرئيس فيها واسعة، فإنها ليست مطلقة.
حين يتصل الأمر بالوضع في المنطقة العربية، فما من سبب وجيه يحمل ترامب على العودة عن وعوده، وحتى بالنسبة للمختلفين مع سياساته في مواقع القرار، سواء في «الكونجرس» أو «البنتاجون» أو «سي. آي. إيه» أو وزارة الخارجية، فإن خلافهم قد يتعلق بالتوقيت أو بطريقة الأداء الفجة، التي تبلغ، في بعض حالاتها، حد السوقية والابتذال، دون أن يعني ذلك اختلافهم معه في جوهر السياسات، ومرة أخرى نقول، خاصة حين يتعلق الأمر بالعلاقة مع العرب وقضيتهم، التي يفترض أنها مركزية، أي قضية فلسطين، مع أن كل المؤشرات تشير إلى أن الكثير منهم كفّ عن النظر إليها بوصفها كذلك.
وفي العبارة الأخيرة بيت القصيد، أي أن ترامب وكل من يرى رأيه يحسبون أنه ما من فرصة ملائمة للإقدام على ما أقدم عليه أمس الأول باعتبار القدس عاصمة «إسرائيل» ونقل سفارة بلده إليها من هذا التوقيت، الذي بلغ فيه العرب حالاً من الهوان والضعف والانقسام غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث، على الأقل منذ قيام الدول العربية المستقلة.
في عنوان مقالته في «الخليج» أمس يقول جميل مطر: «ترامب ليس استثناء»، رغم أن الحديث لم يكن يدور حول القدس تحديداً، ولكن، بمعنى من المعاني، يمكن أن ينطبق ذلك على موقف ترامب المعلن بخصوصها، والمغزى هنا هو في أن أي تعويل على تراجع أمريكي عن خطوة ترامب، يشبه تماماً التعويل الذي سبق إعلانها على التفريق بين ترامب المرشح وترامب الرئيس.
لن تتغير الأمور على الورق إن لم تتغير على الأرض. وهذا يعني أن ما أعلن عنه ترامب سيصبح واقعاً إن لم يجر التصدي له بفرض وقائع دامغة على الأرض، من شأنها أن تنشئ ميزان قوى جديداً يفرض على راسمي السياسات وواضعيها أن يحسبوا له الحساب، حين يدركون أن حسابات البيدر لا تنطبق على حسابات الحقل.
madanbahrain@gmail.com